إنتكاسة التعليم في ظل الحكومات المتعاقبة
أزمات وحلول ترقيعية وراء تهديم العملية التربوية
عبدالزهرة خالد
عندما تتكالب المخالب والاحراش وتركد المياه الراوية على سرير الحياة سيكون هناك حديث شبه غير منطقي عن بلد أسمه وطن ..وإذا تخاصمت الشرايين والأوردة في جسم الإنسان سيشعر الجسد بحرارة تؤدي إلى الشلل وبحمى تتبخر البشرة وتموت عنده الحركة والحيوية بينما يدور البصر حول كل الجهات وليس بيد حيلة ولا صرخة تنقذ .
بناء التعليم ليس سهلا على المجتمع يحتاج إلى تكامل في الافعال والتخطيط والبعد المستقبلي حيث لا يمكن فرد بوحده يستطيع إكماله ما لم يشاركه الجميع ابتداء من الاسرة إلى ابسط موظف في الدولة .
واتذكر عندما كنت طالبا في الاعدادية والجامعة أساعد بعض اصدقائي في حلّ الرياضيات التي كنت مولعا بها وكذلك اللغة الانكليزية من دون مقابل ولم اتذكر يوما اني دخلت في دورة تقوية أو استعنت بمدرس خصوصي .
في هذه السنينِ نلاحظ جميع أو أغلب الناس تشكو من سوء التعليم واعتقد أن هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى تردي مستوى التعليم في العراق وسأركز منها على أهمها وهي :-
أولا:- التدريس ، الذي يقوم به السادة المدرسون والمعلمون في كل مراحل الدراسة للطالب غير مناسبة مع أعمار الطلاب لذا نجد طلابا لا يعرفون كتابة اسمائهم . منذ سنوات الحصار في التسعينات نشعر هناك تدني مستوى التدريس بصورة مقصودة أم غير مقصودة في المدارس الحكومية نتيجة قلة الأجر أو الراتب الذي يتقاضاه المدرس .
مما جعل بعضهم استغلال المواضيع المهمة التي لا يستوعبها الطالب بسرعة محصورة في تدريس خاص وقد يضطر الطالب السؤال عن فحوى الموضوع وحيثياته أما جواب المدرس ( راجعني في المكان الفلاني لقاء مبلغ كذا ) .
أدى ذلك إلى انتشار ظاهرة التدريس خارج المدارس لقاء أجور عالية أو زهيدة حيث قلل من جهود المدرس في تعليم الطالب ومنها يدرك لا فضل للمدرسة عليه بل المدرس الخصوصي الفلاني على فهمه ونجاحه.
ولو تمعنا في التباين الطبقي في مجتمعنا سيجعل الطبقة الفقيرة أكثر فقرا وجهلا مما يسهل على الاحزاب الاسلامية وغير الاسلامية استغلال هذه الطبقة من مختلف النواحي منها التصديق بالخرافات والتكهنات وتمرير مشاريع الارهاب والعبودية وغيرها من أمور تدمر البلد والمجتمع عندما نستنتج من أن الطبقة الفقيرة لا تستطيع مواكبة تعليم أولادها بصورة سليمة وصحيحة مقارنة مع الطبقة ميسورة الحال لذا لا عجب عندما ترى أفواجا من الأطفال يجوبون الاسواق والتقاطعات والشوارع في سبيل البحث عن لقمة العيش تاركين الدراسة . كذلك نلاحظ ابتزاز السادة المدرسين في رفع اسعار التدريس حيث ذكر لي صديق بانه يستلم من كل طالب أكثر من مليون ونصف المليون دينار خلال شهر واحد وعندما استغربت عن هذا ذكر لي بان هناك من يتقاضى ثلاثة ملايين دينارا شهريا .
طبقة فقيرة
إذن هذه الاسعار المرتفعة قد يتبجح بها بعض الاشخاص أمام الأخرين مفتخرا بتخصيص مدرس خصوصي لولده ، في حين الطبقة الفقيرة تعاني من صعوبة حصول لقمة العيش وسوء التعليم . وعليه أن اللوم أو كل اللوم سيكون على المعلم أو المدرس وهما من أهم اسباب تدني التعليم 0
ثانيا:- المدارس الاهلية ، اصبحت جزءا مهما في ديمومة العملية التربوية ولسد النقص الحاصل في ابنية المدارس ، لكن بعض منها استغلت الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلد لتكون أحدى أدوات التهديم في المؤسسة التعلمية حيث لا يرتقي التدريس الى المستوى المطلوب لبناء جيل من الشباب متعلم ووطني هذا من جانبِ ومن جانب آخر استغلال بعض الخريجين في دفع اجور زهيدة مقابل ارتفاع اجور دراسة الطلاب .
أتوقع من القارئ الكريم يعرف ويدرك الشأن التربوي وما آلت إليه سياسة الحكومات المتعاقبة على دفة الحكم من دون الاهتمام بالجانب التربوي لابنائنا بالاضافة إلى خلق الأزمات والحلول الترقيعية ونرى تسليم شؤون التعليم والتدريس للعدد الهائل من المحاضرين المجانيين وحسب علمنا اعتماد بعض المدارس عليهم بشكل كامل في حين المعلمين على الملاك الدائم يتمتعون براحة وكسل داخل الصفوف والمدرسة .
ثالثا:- عمليات الاحباط لدى المجتمع من وجود العاطلين عن العمل من الخريجين
حيث مع الأسر اصابها اليأس بشأن مواصلة اولادها في الدراسة نظرا لوجود ما سبقهم في ضياع وفقدان الأمل في وجود فرص عمل وقد يضطر بعضهم التطوع
في جهاتِ شبه عسكرية أو عسكرية من أجل تأمين لقمة العيش .
النهوض بالتعليم
طالما شخصنا بعض النقاط المهمة التي أدت الى تهديم العملية التربوية علينا طرح نقاطاً تمكن من انقاذ البلد ونهوض بالتعليم والتربية ومنها :-
1- التركيز على المعلمين والمدرسين باشراكهم في دورات تثقيفية وتقوية لأجل أن يكون لهم دور فعال في زرع الوطنية والوعي الاجتماعي للشباب .
2-وضع خطة في زيادة عدد المدارس باسرع وقت ممكن مقابل تهيأت الملاك الكافي لتغطية حاجتها من المعلمين .
3- زيادة اجور ومخصصات التدريسيين العاملين في القرى والارياف وجعلها مغرية ومجزية وكذلك رواتب الطبقة التدريسية .
4- منح الطلاب كسوة الشتوية والصيفية وشمولهم بالطعام خلال الموسم الدراسي بعد تحديد مدته وجعل الطلاب أكثر التصاقاً بمدارسهم من خلال ساعات الدوام .
5- تشجيع المدارس على اقامة دورات تقوية مجانية في نفس المدرسة لطلابها اثناء العطلة الصيفية . مع وضع برامج تثقيفية وترفيهيه خلال العطلتين الربيعية والصيفية وكذلك اقامة نشاطات رياضية وفنية وأدبية .
6- اصدار تعليمات بعدم استغلال الطلبات في الدروس الخصوصية ومنعها بصورة تدريجية . مع متابعة المدارس الاهلية وتقليلها خاصة الغرض من بعضها هي المنفعة المادية لبعض الاحزاب والشخصيات السياسية. وأخيرا عتبنا على أخوتنا المعلمين والمدرسين حيث كان دورهم كبيرا جدا في تهديم التعليم وسؤالنا للمدرسين المتقاعدين هل دفعوا مبالغا طائلة للدروس الخصوصية يوم كانوا طلابا . ثم أن نقابة المعلمين في واد والتعليم في واد بل تهتم فقط ببدلات الاشتراك وبانتخابات النقابة بينما تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يجري للتعليم بشتى الاساليب .
نتمنى من السادة المسؤولين الاهتمام ومتابعة التعليم كما قرأنا في التاريخ المعاصر عن ألمانيا واليابان أول ما قامت به حكومتهما بعد الحرب الاهتمام بالتعليم لغرض خلق جيل وطني يفكر في بناء وطنه .