الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الطائفية والوطنية صورتان

بواسطة azzaman

الطائفية والوطنية صورتان

محمد حميد رشيد

 

جمهورية رواندا، هي دولة غير ساحلية تقع شرق إفريقيا في الوادي المتصدع الكبير (الأخدود الأفريقي العظيم)،. تعد واحدة من أصغر البلدان في البر الرئيسي الأفريقي، وعاصمتها هي كيغالي. على بعد درجات قليلة جنوب خط الاستواء، وتحدها أوغندا وتنزانيا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وهي دولة مرتفعة للغاية، ما يمنحها لقب «الأرض ذات الألف تل»، البلاد ؛ يبلغ عدد سكان رواندا أكثر من 12.6 مليون نسمة يعيشون على 26338 كيلومتر مربع من الأرض، وهي الدولة الإفريقية الأكثر كثافة سكانية والاكثر فقراً حيث كانت تعاني لغاية قبل عام 1994 من معدلات فقر مرتفعة للغاية (78% من السكان يعيشون تحت خط الفقر) ، بأقل من 1.25 دولار يوميًا.

عاشت راوند ومنذ القدم صراعات قبلية في ظل النزاعات العرقية رغم أن غالبيتهم يدينون بنفس الدين (الديانة المسيحية) ويتكلمون بنفس اللغة (كينيارواندا) تناوب التوستي مع الهوتو حكم البلاد على الرغم من كونهم الأقلية السكانية (حوالي 15% من سكان رواندا و 84% الهوتو والتوا 1%)  وأعتباراً من منذ منتصف القرن الثامن عشر حكم التوستي البلاد لحين أن غزت المانيا راوندا في عام 1884م وبلجيكيا عام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى وفرض المستعمرون هيمنة (التوتسي) حيث اعتبروهم أكثر "تحضرًا" وأكفأ في الإدارة، مما منحهم امتيازات سياسية واقتصادية على حساب (الهوتو) وهذا ما عزز الانقسام والصراع القبلي والسياسي وأدت إلى تدهور اقتصادي كبير مما زاد من معدلات البطالة والفقر بشكل كبير!حيث كانت تفترسهم الصراعات العنصرية ويفترسهم الجوع والجهل والمرض! حتى ثارالهوتو في عام 1959، ذبحوا العديد من التوتسي وأسسوا في نهاية المطاف جمهورية مستقلة يهيمن عليها الهوتو في عام 1962 كان يحكمهم ومنذ عام 1973 دكتاتوراُ يدعى (هابياريمانا) دون معارضة وفاز بنسبة 98.99٪ من الأصوات وفي 24 ديسمبر 1978 (99.97٪) من الأصوات وكان دموياً يقمع أي صوت للمعارضة وعلى وجه الخصوص (التوستي) ولكنه قتل  في 6 نيسان 1994 بمعية رئيس بوروندي - كلاهما من الهوتو- بعد أن اسقط (التوتسي) الطائرة التي كانت تقلهما !. لتندلع على إثر ذلك أكبر حرب إبادة في التاريخ المعاصر ضد اقلية التوستي قتل المتطرفون من (الهوتو) (800000 مواطن) من التوتسي والمعتدلين الهوتو الذين حاولو الاعتراض على تلك المجازر وخلال فترة لا تتجاوز 100 يوم حدثت خلالها مجازر طائفية بشعة بدأت في 7نيسان واستمرت حتى منتصف تموز 1994م، حيث شن القادة المتطرفون في جماعة الهوتو التي تمثل الأغلبية في رواندا حملة إبادة ضد الأقلية من (قبيلة توتسي) وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب وبقرت بطون الحوامل! وقتل عدد كبير من الأطفال والنساء والشيوخ تم كل ذلك تحت مظلة (الإنتقام والثأر) للرئيس (جوفينال هابياريمانا) رئيس رواندا وزعيم أغبية الهوتو

فكان من نتائج حرب الإبادة العرقية هذه أن حصل تعاطف دولي وإنساني مع التوستي وضد حرب الإبادة الوحشية هذه وأنهت الجبهة الوطنية الرواندية الإبادة الجماعية بانتصار عسكري ليعود التوستي لحكم راوندا ولكن هذه المرة  تحت (مظلة وطنية) وتأييد دولي إنساني وضد المجازر التي حدثت هناك! ؛ والآن  تخضع رواندا لنظام رئاسي موحد مع برلمان من مجلسين تحكمه الجبهة الوطنية الرواندية منذ عام 1994. الدولة عضو في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وكومنولث الأمم والكوميسا والمنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية ومجموعة شرق إفريقيا.                     

وبعد أن غادرت راوندا (إنقسامات التعصب العرقي البغيض) وغادرت المجازر وحروب الابادة الجماعية واعمال العنف واتجهت بحس وبمشروع وطني نحو الاعمار والاقتصاد وهي تسعى بموجب خطط جادة وحثيثة إلى تجاوز الانقسامات العرقية وتبنت الحكومة بقيادة (بول كاغامي) زعيم الجبهة الوطنية الراوندية سياسة وطنية تهدف إلى القضاء على التصنيفات العرقية وتجاوزها (رغم وجودها الواقعي) في رواندا اليوم، لا يتم الاعتراف رسميًا بالتصنيفات العرقية مثل "هوتو" و"توتسي" في السياسة أو الوثائق الرسمية و تسعى الحكومة إلى تعزيز الهوية الوطنية المشتركة. ومع ذلك، فإن الحقوق النيابية والدستورية لجميع المواطنين، بمن فيهم الهوتو، مكفولة بموجب الدستور الرواندي الذي تم تعديله عدة مرات منذ اعتماده في عام 2003. (رغم هذا لازالت بعض جراح الماضي لم تندمل كلياً حيث يشعر بعض الهوتو انهم مهمشون ولازال بعض التوستي يعانون من جراح الماضي) ؛ إلا ان راوندا اليوم تعتبر نموذجاً في إعادة البناء بعد كوارث النزاعات المحلية العرقية والسر في فوز (الجبهة الوطنية الراوندية) التي "كان" غالبيتها من التوستي إلى أنها تعهدت بالقضاء على العنف أياً كان مصدره وتبنت المشروع الوطني الذي لا يفرق بين مكونات الشعب وإنفتاحاً إقتصادياً كبيراً لذا حضت الجبهة بتأييد واسع من الراونديين الباحثين عن الاستقرار والسلام بعد عقود من الحروب والدماء والتخلف واصبحت رواندا في فترة قصيرة واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا، حيث حققت معدلات نمو مرتفعة وصلت إلى 8.6% في 2018 و 10.1% في 2019 ، وبعد أن كان معدلات الفقر 78% عام 1994 أثناء حرب الإبادة  حيث تراجع من 39.8% في عام 2017 إلى 27.4% في عام 2024 ، أما معدل البطالة، فقد بلغ 12% في عام 2024 و تحتل رواندا المرتبة 47 من ناحية الحريّة الاقتصادية على مستوى العالم، وذلك حسب مؤشر عام 2021؛ إذ تبلغ درجة الحرية الاقتصادية فيها 68.3%، وللحفاظ على هذه المكانة الاقتصادية تبذل الحكومة الرواندية قصارى جهدها لسن قوانين لمكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون تحسين فرص العمل والبنية التحتية ودمج الراونيين في برامج التنمية الإقتصادية نفذت إصلاحات قانونية جعلت تأسيس الشركات أمرًا سهلًا، حيث يمكن تسجيل شركة خلال 5 ساعات فقط وعلى الصعيد السياسي ينص الدستور الراوندي على نظام سياسي متعدد الأحزاب ؛ هذه الأرقام تعكس التحسن في الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ويُطلق عليها أحيانًا لقب "سنغافورة إفريقيا" بسبب نجاحها في جذب الاستثمارات وتطوير بيئة أعمال مرنة وسريعة النمو! ومؤخراً اطلقت راوندا قمرًاً صناعيًا لدعم الإنترنت في المناطق الريفية! والاهم من هذا أن (الجبهة) لم تعد للسوتوا فقط بل لكل الراونديين! ولازالت تصارع كل نواحي التخلف والفقر والمرض وتعلوا بأقتصاد راوندا حيث لا محاصصة ولا طائفية ولا عرقية بل وطنية والوطن هو الاولى بالاهتمام والرعاية وبلا فساد يذكر وبقانون يسري على الجميع بعدالة ودون أي تمييز ومن ما يذكر أن نسبة المسلمين في راوندا كانت قبل حرب الابادة لا تتجاوز 2% من نسبة السكان ولكنها ارتفعت الى ما يقارب 10% بسبب مواقف المسلمين المعارضة لحرب الابادة وكانوا يعملون على إخفاء التوستي في مساكنهم وجوامعهم وكانوا دعاة للسلم الاجتماعي فحفظ الراونديين لهم ذلك.

والان من هم الافضل التوستي والهوتوا أم طوائفنا في العراق الذين تبنوا مشاريع الطائفية والعرقية ومحاصصة (الفساد الوطني) هم انتقلوا من قعر التراجع الإقتصادي والفساد والوحشية إلى التحضر والسباق العالمي ولكم أن تقارنوا صورة راوندا عام 1994 وصورتها الآمنة الرائعة الجميلة اليوم ولكل عراقي أن يختار!

 

26/5/2025


مشاهدات 232
الكاتب محمد حميد رشيد
أضيف 2025/05/27 - 3:19 PM
آخر تحديث 2025/05/29 - 4:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 296 الشهر 38241 الكلي 11032245
الوقت الآن
الخميس 2025/5/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير