الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كوارث الطائفية وغياب المشروع الوطني

بواسطة azzaman

كوارث الطائفية وغياب المشروع الوطني

محمد حميد رشيد

 

كان من نتائج نظام المحاصصة الذي فرضه برايمر  (الحاكم الإداري للعراق باعتباره رئيس سلطة التحالف المؤقتة (CPA) للفترة من منتصف شهر مايو 2003 وحتى يونيو 2004، وذلك بعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق.) على العراقيين بوصفه الحاكم …  أن أنتج الطائفية السياسية التي انتجت نظام شبه توافقي أحتكرت السلطة (لا وجود فيه مكاناً لمعارضة حقيقة ؛ وإن وجدت المعارضة فهي  معارضة شكلية وضعيفة ومشتتة وإن تطاولت على السلطة فسيجري تجريمها وتصفيتها) محمي من الاحزاب ومن ثم المليشيات وبغطاء ديني عجز عن تأسيس نظام عادل وطني بل كان نتيجته الأخيرة نظام متخلف فاسد مخترق يعتمد الولاء على حساب الخبرة وتقاسم الفساد الحزبي الطائفي العنصري ومحاصصة موارد الدولة ووزاراتها وأنتج هذا (المشروع السياسي الطائفي) الكوارث السياسية (وصلت بالأخير إلى حد المطالبة بتقسيم العراق وفتفتته إلى اقاليم ومحافظات) على أسس طائفية ؛ وأنتجت الطائفية السياسية دمار إقتصاد البلد (إقتصاد أحادي يفترسه الفساد والميزانية التشغيلية) وأساءت للبنية الإجتماعية (محاولة إشعال الطائفية الإجتماعية المتطرفة بين العراقيين والتمييز بين العراقيين كما أنتجت خطاب إستفزازي محرض) أكتضت السجون بالمجرمين والأبرياء وانتشرت المخدرات وزادت نسبة الطلاق والأرامل والإيتام وأنتشر الفقر؛ وانهى مجلس النواب عمل المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان! وقام بتفكيك مجلس المفوضين في منتصف عام 2021 ؛ وإن كان هنالك بعض النجاحات البسيطة لبعض الحكومات ولبعض المؤسسات فهي فتات لا تتناسب وحجم وتنوع الموارد الإقتصادية للعراق ؛ وتبقى هناك مخاطر إقتصادية جسيمة ؛ وهكذا كانت مسيرة المشروع المحاصصي الطائفي معمدة بالألف من دماء الأبرياء وملايين اللاجئين ورفض شعبي كاسح (70% من العراقيين غير راضين عن اداء الحكومات المتعاقبة ويقاطعون الإنتخابات لعدم إيمانهم بها) وهذا الرفض الشعبي يتزايد بل بداء يتطلع إلى التدخلات الدولية لإنقاذه من براثن الفاسدين والفاشلين بعد أن يأس من التغيير الديمقراطي وقمعت بدموية كل محاولات التغيير السلمية ولذا يجري دائماً محاولات للحشد الطائفي باتجاه المشاركة في تأييد العملية السياسية الطائفية الفاسدة وتحريض أتباع الأحزاب الطائفية للمشاركة في الإنتخابات بدعوى التخلص من الأخطار القادمة (الأخطار الطائفية الوهمية) التي تهددهم وتهدد مجتمعاتهم! وهم مكتفون بنسبة 30% المشاركين في الإنتخابات ولا يفكرون ببقية الشعب العراقي المقاطعين للأنتخابات وللعملية السياسية الفاسدة من شتى مكونات الشعب العراقي!؛ كل هذا حدث ولازال يحدث ولا يوجد أي أمل في نهاية النفق الطائفي المتعصب الفاسد حيث لا يوجد المصلحون في ظل المحاصصة وتمت محاصصة السلطة والثروات وتم تقسيم العراق على هذا الأساس ومن يسعى للإصلاح الفعلي وللمعارضة البناءة يكون مصيره الإجتثاث والإغتيال والتهديد والتهجير والإخراج من العملية السياسية (برايمر قسم العراق وثرواته على أسس طائفية وعرقية و"الجميع" قبل بها واصبحت ركناً أساسياً وفلسفياً في هذه العملية الفاسدة)  

وهكذا أصبح للعملية السياسية الحالية صوت واحد وعين واحدة وإتجاه واحد فكانت الكارثة العظمى أن الطائفية افترست (المشروع الوطني) واقصته عن التأثير ولم تسمح لوجود معارضة بوجود المحاصصة بل في بعض الأحيان أرتدت الثياب الوطنية وإستعارت الصوت الوطني وتكلمت بالمطاليب الوطنية! وفرخت أحزاب شكلية تدعي الوطنية والمدنية وأخترعت مصطلحات سياسية من قبيل (الطائفية الوطنية ؛ المدنية الإسلامية ؛ ...) وأحياناً أخرى أرتدت (صيغة إسلامية) فاشلة للخروج من الصفة الطائفية رغم أنهم رعاة للتناقضات والصراعات الطائفية بل أن (التكفير الطائفي) واحد من أعمدة العقائد الطائفية السياسية المتعصبة  وهذا هو سر (الحروب والنزاعات الطائفية) الذي ينكرها الطائفيون ويعملوا بها! ؛ ولابد من التسليم بأن فشل المشاريع الطائفية في مواجهة التحديات الحضارية المتطورة والتي حاصرت الطائفية المتعصبة تحت إنفتاح حضاري إنساني (وهي فاشلة حتى في فهم نزاهة وعدالة وإنسانية الإسلام وأعطت صورة سيئة عن الإسلام المتخلف الفاسد الارهابي مع الآسف)

ورغم كل ذلك لم يعد للمعارضة أي وجود لا حقيقي ولا شكلي ولا حتى مزيف في العملية السياسية في العراق وفشل التيار الصدري في تشكيل حكومة أكثرية وطنية بعد إنتخابات 2022م وأضطر للانسحاب من العملية السياسية أحتجاج على ذلك وبعد أن رفضوا أن يتحول إلى المعارضة السياسية مقابل أن تشكل الاقلية الحكومة!. ولم يبقى للمعارضة الوطنية أي وجود حقيقي ممكن ان يساعد على محاربة الفساد وتعزيز الحياد والاستقلال الوطني ويسقط كل ذرائع التدخلات الأجنبية أياً كان نوعها ومصدرها!. وبعد فشل المعارضة السياسية الداخلية نشأت (معارضة خارجية) لتكون بديلاً للمعارضة الداخلية ومثلما أدت قمعية النظام السابق إلى هروب المعارضة خارج العراق أدت العنصرية السياسية الطائفية والفساد والقمع إلى البحث عن (مخلص) من داخل العراق وإن لم يكن بالأماكن ذلك فلتكن من خارج العراق وطبيعي أن تكون هناك عدة جهات ودول تريد ذلك وتشجعها لمصالحها الخاصة ؛ والحقيقة أننا إذا أردنا تجنب التدخلات الخارجية ومجيء التغيير من الخارج فليس أمام السلطة إلا العمل على تشجيع و إحتواء المعارضة السياسية الوطنية المدنية الحقيقة تحت أجواء ديمقراطية حقيقية وليست مزيفة أو مزورة وبلا أي قمع أو إرهاب سلطة أو إرهاب مليشيا من داخل الدولة أو من خارجها ومنح الفرصة للجميع بموجب أجواء آمنة وحرة ...!

ورغم كل هذه فأن (المعارضة الشعبية الوطنية) موجودة وتتسع كلما اتسعت رقعة الفساد والفشل والشعب العراقي رافضاً لكل مساعي الفتنة والتمييز المجتمعي والطائفي والتخلف ورغم عدم وجود (معارضة سياسية حقيقة) منظمة وقوية توازي حجم المعارضة الشعبية الوطنية الضخمة (التي تزيد عن 75% من الشعب العراقي) وتتسع لطموح الشعب ورغبته في القضاء على الفساد والفشل والصراعات العنصرية والطائفية وتوحيد الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته.

وهناك من يقول أن ضعف المعارضة أو إختفائها راجع إلى وأد أي معارضة سياسية لها أمتداد شعبي بكل عنف وقسوة وتحت ظلال السلطة الحاكمة ؛ لكننا لم نرى معارضة وطنية رشيدة قوية بل الذي رأيناه اصوات معارضة متفرقة مشتتة غالباً ما تكون شخصية (وحتى ما بداء منها منظماً سرعان ما تشظى وإنقسم وذاب ثم انهزم) لم تنجح في الإنتقال إلى (معارضة سياسية منظمة قوية) لها صوتها القوي المؤثر (لا يمكن إنكار وجود تكوينات سياسية بسيطة بدائية للمعارضة لكنها تُحارب ويعمل على تشتيتها وتقزيمها وشرائها ولا تلقى الدعم الكافي الذي يمكنها من الاستمرار والصمود والإنتشار). ولعل ذلك يعطي تبريراً للمعارضة السياسية أن يكون لها امتدادات داخلية وخارجية تستطيع حمايتها من القمع المتوقع للسلطة !

لكن ما هي المعارضة السياسية المطلوبة أمام إحتكار السلطة بيد الأحزاب التي تتبنى المشاريع الطائفية المدججة بالسلاج والمحمية بالمليشيات ؟

المعارضة النوعية الوطنية المطلوبة هي  الضد النوعي للمشاريع الطائفية والعنصرية بلا مجاملة أو خوف وليست مجملة لعوار الطائفية ونقصها ؛ وهي البديل العملي للطائفية السياسية التي لا يمكن إصلاحها كون عوارها في طبيعة الطائفية السياسية وفلسفتها القائمة على أفضلية عنصرية أو أغلبية عددية ومن منطلق ديني (مقدس) لا يقبل الجدل ومن لا يؤمن بها يشك في معتقده ودينه وهي بطبعها قائمة على التمييز الطائفي ولا سبيل لإصلاحها إلا بإصلاح معتقداتها الطائفية وإقناعها بالمشروع الوطني المدني الذي يتناقض مع الطروحات العنصرية  الطائفية حيث أن جميع الاحزاب العقائدية (ومنها الأحزاب الطائفية)  تهتم بإقناع الناس بمعتقداتهم العقائدية وهذا هو هدفهم الأساسي بل تزعم أنها لنصرة الطائفة واستعادة حقوقها ولو على حساب الآخرين وإنها الممثل الحقيقي الشرعي والوحيد للطائفة على عكس الأحزاب السياسية التي تهتم بتلبية مطالب الناس واحتياجاتهم .

فهل يمكن أن تقتنع الأحزاب السياسية الطائفية بوجوب المصالحة (السياسية) مع المشروع المدني الوطني والعمل من خلاله وليس العكس لأن المشروع الوطني بإستطاعته إحتواء الجميع تحت مظلته الوطنية الحرة الآمنة وتعزيز الاستقلال وحماية العراق الحر

 

 


مشاهدات 36
الكاتب محمد حميد رشيد
أضيف 2025/05/12 - 4:21 PM
آخر تحديث 2025/05/13 - 1:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 147 الشهر 15463 الكلي 11009467
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/5/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير