الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إخترنا الصمت

بواسطة azzaman

إخترنا الصمت

مروان صباح الدانوك

 

لا أحد رحل حقاً، ولا أحد بقي كما كان، كنا هناك، نكمل جمَل بعضنا، نربط الصدف بالحلم، ونحمل الأيام كأنها وعدٌ لا ينكسر، كان فينا شيء يشبه الربيع حين يتأخر، لكنه يأتي، فقط لنؤمن أن الأمل دائماً قابل للتأجيل، لم نكن بحاجة لإعترافات طويلة، كانت نظرة واحدة كافية لنفهم، وكلمة واحدة قادرة أن تغيّر طقس يومٍ كامل، لكننا لم نكن نعرف أن الصمت قد يذبح أكثر من الكلام، وأن الكلمات التي لا تُقال، تتحوّل إلى كتل جليد تذوب ببطء على صدر القلب.

كنا نصلح الشقوق بضحكة، ونتجاوز الأسئلة بلا إجابات، نربّت على الفراغ كما يُربّت العابر على كتف الغريب، نؤمن أن العبور آمن، ما دمنا معاً، حتى لو كنا نغرق بصمت، ثم جاء الوقت، لا بصفعة ولا بندم، بل بانسحابٍ خفيف، بدأنا ننسى أن نسأل، أن نُخبر، أن ننتظر، لم نعد نتجادل، لم نعد نتفق، بل صرنا نؤجل اللقاء، ثم لا نحدده، نؤجل الكلام، ثم لا نقوله، نؤجل الاعتذار، ثم لا نخطئ، حتى أصبحنا غرباء نحفظ بعضنا من الذاكرة، لا من القلب. كنا نستطيع أن نبقى، نعم. كنا نملك الوقت، والعذر، وحتى الحنين، لكننا لم نعد نملك الرغبة في الترميم، الرغبة التي تجعل (البقاء) حبّاً لا مجاملة، دفئاً لا عادة. أنا لا ألومك، ولا ألومني، فبعض العلاقات تُخلق لتُعلّم، لا لتستمر، تأتي لتكسر فينا غرور العزلة، ثم ترحل حين نُدمن وجودها، أنا لا أبحث عنك، لكنني أذكرك، حين أسمع ضحكة تُشبهك، حين أرى مكاناً كنتَ فيه، حين أمرّ على كلمةٍ أحببتها ذات صباح. أذكرك لأن الوداع لا يعني النسيان، بل يعني أن نحمل الذكرى برفق، دون أن نُجرّها إلى الحاضر، كنا نستطيع أن نبقى، لكننا اخترنا الصمت، وأحياناً، يكون الصمت أجمل ما تبقى.

 

 


مشاهدات 152
الكاتب مروان صباح الدانوك
أضيف 2025/05/27 - 3:09 PM
آخر تحديث 2025/05/29 - 4:18 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 294 الشهر 38239 الكلي 11032243
الوقت الآن
الخميس 2025/5/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير