فيروزٌ أُخرى.. صرخة شعرية في وجه الصمت
طه خضير الربيعي
في زمنٍ تتراكم فيه الخيبات، ويخفت فيه صوت الضمير العالمي، ينبثق هذا النص الشعري للشاعر المتألق اياد حياوي الحفار كنداء مزلزل، دعوة إلى الكرامة والانتفاض من رماد الخنوع. القصيدة تمثل صرخة وجدانية ملتهبة تُهدى إلى فلسطين وأبطال غزة، وتستنطق الروح العربية المترعة بالألم والعزة في آن. القصيدة تقف على الحدّ الفاصل بين الشعر والخطاب السياسي، بين الوجدان والنداء. هي صوت لم يعد يرضى بالتغني، بل يريد الفعل. إنها ليست مجرد أبيات، بل بيان مقاومة. تطالبنا أن نكون أكثر من متفرجين... أن نكون "فيروزًا أخرى" في زمنٍ يعشق الصمت.
ومنذ المطلع، يستحضر الشاعر رمزاً عربياً كبيراً وهو(فيروز)، الصوت الذي لطالما تغنى بالعودة والحنين، لكنه هنا لا يكتفي بنغمة الطرب، بل يدعو إلى (فيروزٍ أخرى) تصدح لا بالغناء، بل بالثورة:
(فلتصدع فيروزٌ أخرى
الآنَ الآنَ وليس غداً
فكفانا ذُلاً نتجرّع)
هنا تتبدى النزعة الثورية الواضحة، فيرفض الشاعر التأجيل أو التباطؤ، ويطالب بالتحرك الفوري، فالألم لم يعد يحتمل الانتظار. يُظهر امتعاضه من الاكتفاء بالشعر والخطابات، التي لم تَعُد توازي تضحيات أهل غزة:
(ولتُقرَع أجراسُ العودة
وكفانا أشعاراً نرفع)
بهذا البيت، يُدين الخطاب الإنشائي المُتكرر ويستعيض عنه بالفعل. ثم تأتي الأبيات التالية لتُمجّد أهل غزة بوصفهم رجال الميدان، الذين جعلوا من أرواحهم وقوداً للمقاومة:
(برجالكِ يا غزّةَ عزٌ
فهموا رشاشَهمُ المدفع
أشباحٌ تخرج معلنةً
للموت ولا يوم تفزع)
القصيدة تُحول مقاومي غزة إلى أسطورة حية، (أشباح) لا تُرهبها المواجهة، بل تخرج طواعية نحو الموت من أجل الحياة. إنها تنزع صفة البطولة من كونها مجرد ردة فعل، وتضعها في قالب من العظمة النادرة.
كما يُسلط الشاعر الضوء على التواطؤ والصمت العالمي، حين يقول:
(أبهرتِ العالمَ يا غزة
عن مرأى والعالم أجمع)
وكأن الشاعر يقول: حتى حين صرخت غزة بأشلائها، لم تسمعها الضمائر. لكن رغم ذلك، فإن النصر آتٍ، بفضل سيفها البتّار الذي (يقطع الباطل)، مما يعطي القصيدة بُعدًا قرآنيًا ودينيًا يعزز شرعية المقاومة.
(فهنيئاً نصرك يا سيفاً
بتّاراً للباطل يقطع)
ويختتم النص بإعلان ثوري حازم:
(ما عادَ الحقُ لصاحبه
إلا بالقوةِ إذ يُنزع
فلتصدع فيروزٌ أخرى
وبصوتٍ عالٍ فلتصدع)
هنا يؤكد أن الحقوق لا تُسترد بالتوسل، بل بالقوة والعزم، مستدعياً (فيروز أخرى) ربما صوتاً فنياً ملتزماً جديداً، أو روحًا جماعية متمردة، تصدح لا لأجل الفن فقط، بل من أجل الحياة والحرية.