الإستثمار بالموت والشعور بالسلام
امجد طليع
مرارة الموت في الحرب العالمية الثانية عاشها الاحياء والاموات في اوربا وشرق اسيا وقدر عدد الضحايا ب85 مليون ضحية 25 مليون منهم قتلى والبقية جرحى ومعاقين.
في معركة ستالينغراد المدينة السوفيتية التي حاصرها الجيش الالماني جند السوفيت مليون مقاتل من النساء والرجال لم ينجوا منهم الكثير وفقد فيها النازيون قرابة 300 الف مقاتل عندما كانوا يتصدون للرصاص والصقيع.
طائرات التحالف اغارت في ليلة واحدة على مدينة دريسدن التاريخية الالمانية والقت عليها الاف الاطنان من المتفجرات فقتل 25 الف انسان في ظرف 5 دقائق ولتنتهي تلك الحرب التي عطلت فيها قواعد الاشتباك المعتمدة بقنبلتي هيروشيما ونكازاكي في اليابان التي راح ضحيتهما اكثر من 100 الف مواطن بحيث مدارس الاطفال التي دمرتها القنبلتان لم يعثروا فيها حتى على عظام للضحايا.
عندما دخل السوفييت المانيا النازية من الشرق وعثروا على معسكرات اعتقال خاصة باليهود والروس والتشيك والمعاقين جسديا وذهنيا ونشروا صور المعتقلين في تلك المعسكرات وكيف وصل الحال بالاحياء وتلال عظام الاموات من البشر لم يصدق العالم الصحافة السوفيتية وقالوا ان الالمان متحضرين وهذه افعال همجية لا يمكن ان تصدر منهم واعتقدوا انها دعاية ستالينية لضرب النازية لكن الخبر سرعان ما تناقتله الصحافة الامريكية والبريطانية والفرنسية بعد ان دخلت قواتهم اراضي المانيا من الجبهة الغربية وعثروا على معسكرات التعذيب الشبيهة بالتي عثر عليها سوفييت انذاك حتى نقلت الكاميرات صور وافلام فديو اصابة العالم بالدهشة لهول الحدث .
شاهد تاريخ
مجموعة المشاهد التاريخية هذه من الحرب العالمية الثانية مازالت عالقة باذهان الاوربيين ممن زامنوا تلك الحرب الضروس الذين كانت قارتهم ساحة لحربين عالميتين مدمرتين الاولى انتهت بمعاهدات ومواثيق لم تكن كافية لتمنع حربا عالمية اخرى مثل مؤتمر باريس للسلام عام 1919 الذي انبثقت منه عصبة الامم واكتفى المنتصرون بالحرب حينها بمعاقبة المهزومين من خلال استقطاع اراضيهم ومستعمراتهم لمنعهم من اللجوء للحروب كاداة للسياسة اما الحرب الثانية فانتهت بمحاكمات نورنبيرغ ومحاكمات وطوكيو الخاصة بزعماء المانيا واليابان بتهمة الاقدام على حروب عدوانية وارتكاب جرائم ابادة جماعية بوصفه عقابا اشد لمنع اندلاع الحروب مستقبلا واسست محكمة نورنبيرغ لسوابق قانونية هامة في مجال جرائم الحروب والابادة، صحيح ان شعبي المانيا واليابان كانا متعاطفين مع قادتهما الذين يخضعون لمحاكمة من قبل قوى محتلة وكان المواطنون في المانيا واليابان يعتقدون ان قادتهم اشخاص وطنيون ودافعوا عن بلدانهم لكن هذا لم يمنع ان يكون موقفهم تجاه الحرب مشابه لاقرانهم من شعوب اوروبا سواء المنتصرة او الخاسرة فالبلدان من الجانبين تهدمت مدنها وابيدت شعوبها وانهارت اقتصاداتها حتى قيل ان بعض الدول انخفضت فيها اعداد الرجال قياسا بالنساء وبمستوى فارق كبير فوقع على عاتقهن اعادة بناء المدن المهدمة والقيام باعمال لم يكن يعمل بها سوى الرجال.
اراد قادة الحلفاء المنتصرون بالحرب الثانية اعدام القادة النازيين وحلفائهم في اليابان بجرائم لم يشرع لها قانون بعد ليكونوا عبرة لدعاة الحروب والموت واراد المثقفون والمفكرون وفقهاء القانون في اوربا وشرق اسيا ان يوضع حدا للحروب ذاتها .
ذهب الساسة الى تاسيس الامم المتحدة ووضع قوانين تجرم الحروب العدوانية والمتسببون بها لكن القوانين على الورق مهما كانت حجيتها وقواتها لن تكون رادعا لمنع اندلاع الحروب مرة اخرى واخرى واخرى ما لم يكن هناك تحول في الفكر السياسي والوعي الاجتماعي لذلك ذهب الباحثون والمفكرون وفقهاء القانون الى التاسيس من داخل المجتمعات فساهموا في بناء اجيالا تنبذ العنف وترفض الموت وتعيش من اجل السلام ورفاهية الانسان ولانهم واثقون بان رجال الحرب لا يمكنهم ان يصنعوا السلام ازاحوهم وحل محلهم الناجون من البارود والديناميت ومعسكرات النازية الرافضون لمبدأ البندقية كاحد الخيارات في السياسة المتبنىون لمنهج الدبلوماسية كخيار وحيد في السياسة وبخلافه فان لا شيء يستحق ان تزهق روح انسان واحد من اجله وامام التوجه الجديد تساقط سياسيي الحروب سواء ديغول محرر فرنسا و بانيها بعد الدمار او تشرشل الزعيم التاريخي والاب الروحي لنصر الحلفاء واخرون ، من هناك تعلم الاوربيون الدرس وساهموا في تشريع القوانين الدولية التي تحرم الحروب واخرى تحدد انواع الجرائم ضد الانسانية وتخضع مرتكبيها لاشد العقوبات واستمروا بمنهجهم حتى وصلوا الى السوق الاوربية المشتركة سابقا الاتحاد الاوربي حاليا الذي ازال الحدود بين شعوبا تختلف بالثقافات والتوجهات وتشترك بالعيش على قارة واحدة كانت قبل سنوات معدودة تتقاتل على شبر ارض حتى اصبح ذلك التكتل الاقليمي الافضل عالميا وتحلم كل دول القارة بالانضمام اليه لولا اسباب داخلية وخارجية تمنعها من ذلك مثل تركيا التي تنتظر منذ عقود عضوية الاتحاد او جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة التي يمنعها التهديد الروسي من الالتحاق بركب اوربا الغربية الموحدة تقريبا .ومنذ تلك اللحظة وهولها عندما شاهدت الشعوب شعوبا اخرى تباد عن بكرة ابيها بقنابل غبية واخرى نووية قرروا التخلي عن التجارة بالموت وفرض النفوذ بالرصاص ونبذوا الكراهية والعنصرية التي كانت تعطيهم الحق باستعمار من يختلفون عنهم بالبشرة او الشكل واطلقوا مؤسسات مالية وتخصصية لمساعدة الدولة المحتاجة او التي تضربها الازمات او الكوارث الطبيعية او الاوبئة ليثبتوا للاخر ولانفسهم انهم العالم الحر المتحضر ، لم تكن تلك اللحظة التاريخية لحظة عقلانية فحسب وانما لحظة سلام ايقن الغرب فيها ان التجارة بالحياة تجارة مضمونة ومحمية بالتامين وتشرعنها القوانين واسهمها ارتفاعها حتمي على العكس من التجارة بالموت المليئة بالفساد والمخاطرة.في الجانب الاخر من الكرة الارضية حيث الثروات والمياه الدافئة والبترول والمعادن الثمينة والممرات المائية والمضايق الستراتيجية لازالت الشعوب وحكامها وزعمائها الروحيون يؤمنون بان الموت تجارة مربحة في الدنيا والاخرة و لديمومتها مازالت تستعر نيران الحروب العقائدية والدينية ومازالت البنادق ترسم على جدران المدارس وتكتب تحتها شعارات تثير الفرقة والكراهية وتحت هذه الشعارات تتكدس النفايات ويتجمع الذباب وتفوح الروائح الكريهة وتتجمع المياه الاسنة وبقربها تتوسع العشوائيا وتتوسع معها دوائر الفقر والجوع والاوبئة ولمجرد ان تسال احدهم عن السبب يجيب بانهم شعب يتامر عليه العالم وكل مثقف او مفكر او باحث يحاول او يفكر بقدر بسيط تغيير هذه الصورة في مخيلة الناس اما تسكته البندقية او يهرب ويخاطر بحياته من اجل حياته.
طبول الحرب
فهنا عند الشرق مازالت تجيش الجيوش وتقرع طبول الحرب وتلقى العضات التي تعبأ الشباب للعسكرية وبدل الجيش الواحد تشكلت جيوش يصرف على استعراضاتها ما يكفي لبناء مستشفى يعالج المرضى او شبكة مجاري لتصريف برك المياه الاسنة التي تغطي المدن في الصيف والشتاء اما النساء في بلاد تجارة الموت فاصبحن معامل لانناج الاولاد ليكونوا رصيدا للحروب المستقبلية بعد او قبل بلوغهم اذ لا نتوقع من النساء هناك ان يكررن ما قامن به نساء اوروبا عندما قررن اعادة بناء الحياة وانما سيبقن مثكولات في قلوبهن لوعة على فقدابنائهن وازواجهن.نحن مازلنا نتفاخر بعدة وعديد جيوشنا ونعتبره مدعاة للتباهي وهذا تباهي يكلفنا اكثر من ثلث الموازنة المالية السنوية ونحن بامس الحاجة للمال من اجل تقديم ابسط الخدمات المفقودة للمواطنين فيما تنظر الدول المتقدمة للجيوش من منطلقين الاول الشعور بالسلام وضمان عدم تعرضها للتهديد من اي دولة كانت قريبة او بعيدة والثاني الجدوى الاقتصادية والتكاليف التي تتطلبها قوات ضخمة هي وتجهيزتها فضلا عن التاثير السياسي لهذه القوات على الجيران (طبعا هنا لا اتحدث عن قوى عظمى مثل فرنسا وامريكا وبريطانيا على سبيل المثال التي لديها مهام عسكرية خارجية بحكم موقعها السياسي الدولي) ولذلك هناك دول في اوروبا وخارجها مساحتها تفوق مساحة العراق بضعفين واخرى مساحتها قريبة من حجم مساحة ايران او السعودية الا ان عدد جنودها لا يتجاوز البضعة الاف او دولة بلا جيش اصلا مثل كوستريكا احدى دول الامريكيتين وهذا خلاصة الشعور الحقيقي بالسلام والتفكير بتخصيص الاموال وتوجيهها نحو للتنمية كما اراد لذلك من تعلموا الدرس ووقفوا على حقيقة الحروب ونتائجها .
{ كاتب واعلامي