حسين الفلوجي
منذ تأسيس الدولة العراقية المعاصرة بعد عام 1921 ، ظل الاقتصاد العراقي يدور في فلك الازمات السياسية المستعصية ولم يأخذ نصيبه الكافي من الاهتمام ، الامر الذي انعكس سلبا على المجتمع والفرد .
مر الاقتصاد العراقي بتقلبات كبيرة من حيث الاساس الفكري الذي يستند عليه ، او من حيث التشريعات القانونية التي تنظمه ، او من حيث التطبيق العملي .
من الناحية الفكرية تنقل الاقتصاد العراقي بين اكثر من مدرسة ، مثلا ايام النظام الملكي وتأثيرا بارادة المحتل البريطاني في تلك الفترة ظل الاقتصاد العراقي يدور حول مفهوم اقتصاد السوق مع ضمان بقاء دور واسع للقطاع الحكومي .
بعد انقلاب عام 1958 انتقل الاقتصاد العراقي من اقصى اليمين الى اقصى اليسار فتحول الى اقتصاد موجه تهيمن الدولة على كافة مفاصله .
بعد عام 1968 اتجهت الدولة ممثلة بقيادة حزب البعث وتوجهاته الاشتراكية نحو مزيد من السيطرة على مفاصل العملية الاقتصادية .
عام 1977صدر قانون اصلاح النظام القانوني رقم (35) الذي انهى اي دور للقطاع الخاص واطلق العنان للقطاع الحكومي في كل اتجاهات العمل الاقتصادي ، على اثر ذلك القانون تم تأميم كافة المصانع والمشاريع الزراعية الخاصة ولم يبقى اي مشروع الا وخضع لهيمنة الدولة بطريقة مباشرة او غير مباشرة .
بعد حقبة الحصار الاقتصادي بعد عام 1991 جرت محاولات متواضعة لاعطاء دور للقطاع الخاص لتحريك العملية الاقتصادية . لكن تلك المحاولات ظلت مقيدة بكم هائل من التشريعات الصارمة التي لا تسمح للقطاع الخاص للعمل باستقلالية او العمل بمعزل عن هيمنة الدولة .
بعد عام 2003 انهارت الدولة العراقية وانهار الاقتصاد الذي كانت تديره الدولة بكل مفاصله ، ودخل الاقتصاد العراقي في مرحلة انتظار على امل ان يتم تحريره من القيود الفكرية والقانونية التي امسكت به طيلة العقود الماضية ، لكن الذي حدث ان العملية الاقتصادية دخلت في نفق مظلم لم تخرج منه لحد الان .
اليوم ، الاقتصاد العراقي يعاني من افصام فكري وتشريعي ، لا هو اقتصاد موجه تتكفل الدولة بادارته ، ولا هو اقتصاد سوق يكون للقطاع الخاص دور في تحريكه ، اعلاميا وسياسيا الكل يريده ان يكون اقتصاد سوق ، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك تماما .
من الناحية التشريعية ظلت منظومة القوانين السابقة والتي احكمت الدولة على مفاصل الاقتصاد هي التي تنظم الجانب الاقتصادي .
الخلاصة : الاقتصاد العراقي بحاجة الى ثورة فكرية غايتها الاستقرار على منهج اقتصادي سليم يأخذ بنظر الاعتبار ما جرى للعراق من تخبط وضياع خلال العقود السابقة ، ومن جانب اخر الاستفادة من تجارب الدول التي نحجت في ادارة اقتصاداتها بصورة صحيحة .
كذلك الاقتصاد العراقي بحاجة الى ثورة قانونية شاملة تعيد النظر في كافة مفاصل العملية الاقصادية ، غايتها فك التشابك والتداخل بين دور الدولة وبين دور القطاع الخاص .
نائب عراقي سابق