فاتح عبد السلام
قبل أن تنتهي الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات ما بين أيلول 1980 وآب 1988، تداول عراقيون من قيادات في الحزب الحاكم وقيادات عسكرية في اجتماعات غير معلنة، مقترحات منها ان هذه الحرب التي لم تشبهها حرب في القرن العشرين خارج الحربين الكونيتين أعطت قناعة في انه لابدّ من إيجاد حلول نهائية لسد الباب الإيراني الذي كانت تتدفق منه شعارات تصدير ثورة المرشد مؤسس الجمهورية الإسلامية في ايران، واقترح بعضهم إقامة جدار كونكريتي عازل ومراقب على طوال حدود يتجاوز طولها ألفا ومائتي كيلو متر. هذه المعلومة لم تظهر للعلن لكنني كنتُ قد جلست الى عدد من الضباط والحزبيين الذين روّجوا للمقترح وتحمسوا له ، ولا أدري إن كان المقترح قد وصل الى صدام حسين أم لم يصله، وأشك شخصياً في أن يكون الرئيس الراحل غير مطلع على أفكار ضباطه وقياداته الأدنى عبر مجسّاته المتغلغلة حتى في الثياب، لكن حدث بعد شهور قليلة ان جاء القبول الإيراني بقرار مجلس الأمن لوقف النار، وعمّت الافراح شوارع بغداد ويبدو انّ مقترحاً من حقبة الحرب لم يعد له أي رواج في المزاج الذي كان سائدا لدى صدام وحزبه.
ألمح بوضوح انّ هناك مَن كان متأثراً بمقولة نسبت الى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مفادها انه(وددت لو انّ بيننا وبين بلاد فارس جبلاً من نار، لا يصلون منه الينا ولا نصل اليهم)، وهذا الكلام لم يرد في أي من كتب الاسانيد في الأثر الإسلامي ولم تصح نسبته، باستثناء ما أورده الطبري وحده.
تغير الزمن كثيراً، وقامت علاقات جديدة بين العراق وايران بعد العام2003 ، والأهم بين السعودية وايران، وهذا هو المسار الصحيح للعلاقات بين الشعوب والأمم من منظور استراتيجي، لاسيما في الجغرافيا المتداخلة وذات المصالح بالغة المنافع والخطورة معا.
استذكرت قصة ذلك «الجدار” الذي لم يولد في زمن صدام ، وأمنية “جبل النار” التي لم تتحقق واقعاً أو في نسبتها لعمر بن الخطاب، وأنا اطلع على تصريح رسمي في بغداد بشأن اكمال بناء اربعمائة كيلو متر من جدار عازل بين العراق وسوريا، على أمل استكمال الباقي حتى بلوغه ستمائة وعشرين كيلو مترا، وهو آخر النتائج الأمنية التي توصلوا لها لصد التنظيمات «الإرهابية» التي يمكن ان تتسلل من سوريا نحو العراق كما حدث في العام 2014
وأرى اليوم انّ هناك مَن يدفع اليوم لإقامة «جدارين» بين العراق وسوريا وليس واحدا كما كان مع نظام سابق حليف، وهذا في المعيار السياسي والوجودي نوع من الاخفاق السياسي والأمني.
وانّ من عجائب الحلول، هو الوصول في القرن الحادي والعشرين الى صيغ الاسوار الشبيهة بالفترة التي انتجت سور الصين الذي بوشر في بنائه في القرن الثالث قبل الميلاد. ومن ثم صار من أشهر إبداعات البشر في العالم. واختير في العام 2007 كإحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة. فهل نروم التمهيد لأعجوبة جديدة من عجائب المستقبل؟