نفط الإقليم من النعمة إلى النقمة
شيرزاد نايف
منذ أن اكتشف النفط في إقليم كردستان، كان أمل الشعب الكردي في أن يصبح هذا المورد الثمين أساسًا لاستقلالهم الاقتصادي والتنموي، وأن يعينهم على تحقيق رفاهيتهم بعيدًا عن الفقر والبطالة. وقد كانت النية واضحة في استثمار «الذهب الأسود» في خدمة أهل الإقليم، من أجل تحسين مستويات المعيشة وتوفير فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية. وكان هذا المسعى مشروعًا في إطار الحقوق الطبيعية التي تكفلها المبادئ الإنسانية والدينية.
فشل سياسي
لكن مع مرور الزمن وفي هذهِ الآونة الأخيرة، تحولت هذه النعمة إلى نقمة. إن الفشل السياسي والتلاعب بالمصير الكردي لا يكمن في إقليم كردستان فحسب، بل يبرز بوضوح في طريقة تعاطي الحكومة المركزية في بغداد مع هذا الملف. فقد كان الإقليم، في عهد النظام السابق رغم سياساته القمعية، يُعامل في تعاطي الحقوق كبقية محافظات العراق تحت شعار «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق» يُعبّر عن نوع من الالتزام بالحد الأدنى قبل أن يكتشف نفط الاقليم الثري و يستخرج من جوفه. أما اليوم، فقد أصبح النفط أداة لتجويع الشعب الكردي بموظفيه الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ضحية صراعات سياسية وأجندات خارجية لا علاقة لهم بها. هنالك عدالة مفقودة لأن الحديث عن العدالة في العراق اليوم يبدو خياليًا. فالشعب الكردي، الذي يعد صاحب الحق في نفطه وموارده، يعاني من تأخر الرواتب وغياب الدعم الحكومي، في الوقت الذي تُصرف الأموال على مساعدات للدول الأخرى تحت مسميات «الإخوة في الدين» و»مساندة الشعوب الإسلامية». بينما تهمل الحكومة المركزية احتياجات مواطنيها الكورد، الذين يعدون جزءًا لا يتجزأ من النسيج العراقي، ويستحقون من حقوقهم ما يعينهم على مواجهة تحديات الحياة.
كما أشار السياسي العراقي انتفاض قنبر في منابر الاعلام، بإن شكوى العراق ضد حكومة إقليم كردستان في محكمة باريس كانت بمثابة اعتراف ضمني بأن الإقليم مستقل عن العراق، وأنه لم يعد يتعامل مع الحكومة المركزية كما يُفترض في إطار الدولة الواحدة.إن ما نشهده اليوم ليس مجرد صراع سياسي داخلي، بل هو تجسيد لتجاهل تام لأبسط حقوق الإنسان. إذا كانت الحكومة العراقية تقيم علاقات سياسية مع دول مثل إيران وأفغانستان واليمن وفلسطين، فلِمَ لا تلتفت إلى أولوياتها الداخلية؟ ألم يكن أولى أن تكرم أهلها وتوفر لهم حياة كريمة قبل أن تمد يدها للآخرين؟ ألم يكن الشعب الكردي من أكثر الشعوب الإسلامية إيمانًا وتضحية؟ بل أليس الكرد هم من رفعوا راية الإيمان في وجه قوى الاستبداد والغزو في مراحل تاريخية مفصلية؟
أجندات سياسية
وحتى في منظور الفلسفة الأخلاقية للحقوق، تعتبر العدالة الاجتماعية أحد أسمى مبادئ التعايش البشري. وعندما يتم تهميش جزء من المجتمع لصالح أجندات سياسية أو مصالح خارجية، فإننا نكون أمام انحراف عن القيم الأخلاقية الأساسية التي يُفترض أن تحكم العلاقات بين البشر. وفي هذا السياق، يعكس الواقع العراقي أزمة عميقة في فهم مفهوم «العدالة» التي كان ينبغي أن تتسع لكل الأفراد، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الجغرافية. قال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في كتابه «العقد الاجتماعي»:
«الحرية لا تكون إلا في إطار المساواة، والمساواة لا تكون إلا في إطار العدالة».
هذه المقولة تلخص جوهر الأزمة الحالية في العراق. فالإقليم الكردي يعاني من نقص العدالة والمساواة في توزيع الثروات، بينما تتساقط خيراته في أيدي القوى التي تستغل هذه الموارد لصالح مصالحها الخاصة، متجاهلة ما يعيشه المواطن الكردي من معاناة. فقد بات شعب أقليم كردستان اليوم أسيرًا للعبة السياسة. أما عن الحكومة العراقية، فقد تناست القيم الدينية والوطنية، وأخذت تلهث وراء الأجندات الإقليمية والدولية على حساب مواطنيها. إنه وقت العودة إلى الأسس التي بنى عليها العراق دولته في الماضي: العدل والمساواة، وأن أولى الناس بالمعروف هم الأقربون. قال الله تعالى:»وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (البقرة: 83). فإذا كانت هذه وصية ربانية تُوجه إلى التعامل مع الناس، فما بالنا عندما يكون الحديث عن التعامل مع الأهل والأقرباء؟