الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بعد فشل الإسلامويين..هل يتلقفها العلمانويون؟ (3)

بواسطة azzaman

بعد فشل الإسلامويين..هل يتلقفها العلمانويون؟ (3)

منقذ داغر

 

قلت في مقال سابق بأن الإسلام السياسي الشيعي (الجهادي) بدأ كسابقه السني في تحديد هدفه الرئيس بمحاربة العدو القريب (النظم الظالمة في البلدان التي يتواجد فيها الشيعة بكثافة) وليس البعيد. وهكذا كانت نشأة الحزب الجعفري في بداية الخمسينات ثم حزب الدعوة في نهاية الخمسينات من القرن الماضي في العراق. لكن ذلك المفهوم وتلك الأولوية سرعان ما تغيرت بعد نجاح الثورة الإسلامية في أيران وتبنيها لمشروع ولاية الفقيه. بدأت ملامح هذه المرحلة فكرياً بمفهوم تصدير الثورة الذي تبنته القيادة الإيرانية ونص عليه دستورها في مقدمته التي نص فيها صراحةً على إعداد (الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها).

رسالة الهية

 كما نص أيضاً على أنه يجب أن (لا تلتزم القوات المسلّحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم بعد نجاح ثورتها في عام 1979). أما عملياً فقد دشن تفجير بيروت من قبل حزب الله، المدعوم من إيران، في 1983 والذي أسفر عن مصرع مئات الجنود الأميركان  مبدأ وحدة الساحات الذي وإن كان ظهوره كمصطلح حديث جداً،الا أن تطبيقاته العملية بدأت منذ ذلك الوقت. كما جاء تأسيس فيلق القدس يعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية في نهاية الثمانينات ليؤكد بشكل أوضح مفهوم الجهاد الاسلاموي الشيعي العالمي. وهكذا بات الشيعة الحركيون يرتبطون بشبكة عالمية واحدة أمتدت من أقصى جنوب الجزيرة العربية الى أقصى شمالها. واذا كانت الحركات الجهادية السنية قد تفرقت الى عدة تنظيمات وفصائل،غير مدعومة-ظاهرياً على الأقل- من دولة معينة، فأن الجبهة(الثورية) الشيعية أرتبطت برأس واحد وشبكة واحدة مدعومة من دولة ذات أمكانات اقتصادية وعسكرية قوية وتؤمن جميعها بعقيدة أممية واحدة.ومرة أخرى يتكرر نفس السيناريو الذي حصل مع التنظيمات الجهادية السنية. فلطالما كانت الشبكة الجهادية الشيعية لا تمس مصالح الغرب بشكل مباشر فأنه لم تجرِ مواجهتها عسكرياً. لا بل أنه تم التغاضي عن توسعها وزيادة نفوذها، وأحياناً التخادم معها ما دامت تحقق أغراضاً مفيدة للطرفين،كأستقرار العملية السياسية في العراق 2003. كذلك مجابهة التطرف السني الجهادي  في الحملة التي قادتها أمريكا ضد داعش في العراق وانتهت بهزيمة داعش حيث اشتركت قوات التحالف الدولي مع القوات العراقية وكل الميليشيات المدعومة من أيران في هزيمة داعش. الا أن زيادة قوة ونفوذ الإسلام الشيعي الجهادي وسعة تمدده جعلته يعتقد أن الغرب قد تخلى عن منطقة نفوذه هذه وأنه سيستمر بغض الطرف عن التمدد الذي تقوده إيران المدعومة بمشروع نووي واعد. ولم يكتفِ ما سُمي بالهلال الشيعي بتهديد التواجد الأمريكي في العراق ومهاجمة السفارة والقواعد الأمريكية فيها، ولا حتى بتهديد منابع النفط في الخليج العربي (الهجوم على أرامكو في السعودية)، أو خطوط الملاحة الدولية التي تمر عبر مضيقَي هرمز وباب المندب بل زاد عليها بتشكيل طوق عسكري محكم محيط بإسرائيل التي أوضح عدوانها على غزة مدى نفوذها ليس على متخذ القرار الأمريكي بل على متخذي القرار في أهم دول العالم ومنظماته الدولية. ومما زاد في الطين بلة أن هذا الهلال قد صار جزءً أساسياً من التحالف الدولي ضد المعسكر الذي تقوده أمريكا. فزادت الصين من نفوذها الاقتصادي في المنطقة وساعدت أيران روسيا في حربها ضد أوكرانيا ومنحت سوريا قواعد عسكرية لروسيا في المنطقة. ولم يؤدِ هذا النشاط المدفوع بمبدأ وحدة الساحات الى استفزاز الغرب وأمريكا فحسب بل أستفز كل دول المنطقة التي باتت ترى في الثورية الأسلاموية الشيعية خطراً وجودياً يستدعي توحدها في مواجهته ن خلال استثمار كل ما يمكن من إمكاناتها الاقتصادية والسياسة لتفكيك هذه الشبكة القوية.

سوء تقدير

لقد دفع سوء تقدير الموقف الاستراتيجي المستند الى تضخيم الإمكانات الحقيقية للإسلام الجهادي الشيعي ذلك المحور الى عدم التقاط كثير من الأشارات الواضحة والفرص المتاحة لتحسين موقفه وأعادة تموضعه بشكل يجعله أكثر اطمئنانا للمستقبل. كانت انتفاضة السوريين في 2011 وما أعقبها من حرب أهلية، ثم انتفاضة تشرين في العراق وما أعقبها من انتفاضة مماثلة في أيران ولبنان من بين أهم ما تم تجاهله من قبل قيادات محور المقاومة. لا بل أن نجاح قوات وميليشيات ذلك المحور بإخماد كل هذه الانتفاضات الشعبية بالقوة المفرطة بدون ظهور معارضة عالمية أو أمريكية أو إقليمية قوية لهذه القوة ضخّم من سوء تقدير الموقف هذا. وبدلاً من أصلاح الأمور داخلياً ذهب المحور باتجاه المؤامرة والعدو الخارجي الذي علّق عليه كل ما يواجه شعوب المحور من مشاكل سياسية وأقتصادية. وقد وصل سوء التقدير حداً جعل بشار الأسد يرفض حتى الوساطة الروسية بين تركيا وسوريا لحل قضية المهاجرين السوريين في تركيا. ومثلما كان فقدان الحاضنة الشعبية السنية سبباً في هزيمة داعش في العراق فقد كان فقدان تأييد، بل عداء الحاضنة الشعبية سبباً رئيساً في هزيمة المحور في سوريا ولبنان. لكن السؤال الأهم هو: من سيكون لبديل المستقبلي لحركات الأسلام السياسي بشقيها السني والشيعي؟ وهل فات الأوان على هذه الحركات لتعيد تأهيل نفسها؟ وهل سيتمكن العلمانيون العرب من ملء الفراغ الذي تركه انحسار المد الإسلامي الجهادي؟ هذا سأتناوله في مقال قادم.


مشاهدات 389
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/12/16 - 12:18 AM
آخر تحديث 2024/12/23 - 1:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 343 الشهر 9985 الكلي 10066080
الوقت الآن
الإثنين 2024/12/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير