الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بعد فشل الإسلامويين .. هل يتلقفها العلمانويون ؟    (4)

بواسطة azzaman

بعد فشل الإسلامويين .. هل يتلقفها العلمانويون ؟    (4)

منقذ داغر

 

من هم العلمانويون ؟

في ثلاث مقالات سابقة أستعرضت فشل الإسلامويين (الشيعة والسنة) في أستثمار الفرصة التي أتاحها لهم سقوط الأنظمة السلطوية سواء على يد الأجنبي كما حصل في العراق وأفغانستان أو على يد الشعب كما حصل في مصر وتونس وليبيا واليمن. ويلاحظ أستخدامي لمصطلح إسلامويون وليس إسلاميون لأني لم أقصد المؤمنين بضرورة أن يكون الدين جزء (متفاعل) من الحياة الأجتماعية والأقتصادية والسياسية بل  قصدت الحركات والأيديولوجيات التي تدعو إلى إنشاء دولة أو مجتمع قائم على الشريعة الإسلامية سواء كانت هذه الدعوة سلمية أو تتسم بالعنف.  ويكمن السبب الرئيس في أخفاقهم لفشل أنموذجهم الأممي من جهة، وخطأ تشخيصهم لعدوهم (القريب أو البعيد) من جهة أخرى. فبناء دولة إسلامية عابرة للحدود بات فكرة أثبتت فشلها في كل مكان وتحت ظل حتى الآيدلوجيات غير الدينية،كما أن أنموذجهم الثنائي للعداوة والصداقة (دار الإسلام ودار الحرب) زاد من أعدائهم وقلل من أصدقائهم. لقد أتاحت أخفاقات الإسلامويين في العراق،والأخوان في مصر وليبيا،والحوثيين في اليمن،وبشاعات حكم طالبان في أفغانستان، وجرائم داعش إبان دولتهم الخرافية تقديم نماذج مخيفة أو فاشلة على الأقل لما يعتقد بأنه الحكم الإسلاموي في كثير من الدول الإسلامية التي رفعت شعار الإسلام هو الحل أو ما شابهه. وكان يتوقع استغلال هذا الفشل (الإسلاموي) بظهور حركات وأحزاب لا دينية،أي لا يشكل الدين أساسها الفكري النظري ولا أنموذجها الحكمي العملي. لكننا لم نشهد للآن بروز مثل هذه الأحزاب أو الحركات السياسية ،فما هو السبب يا ترى؟

بعد سقوط آخر أنموذج للخلافة الإسلامية (العثمانية) سارع العرب ،وهم قليلو الخبرة والممارسة في السياسة آنذاك لأسباب عديدة، الى استعارة الأنموذج الأوربي الذي أعقب سقوط الكنيسة وهيمنتها هناك. فجاءت الأحزاب والحركات القومية والأممية لتملء فراغ السلطة. لقد كان أنموذجا الدولة القومية و أو الأممية اللذان يفصلان الدين عن السياسة في صلب فكر تلك الأحزاب والحركات.  ونظراً للطبيعة المستوردة لتلك الأحزاب من جهة وأغفالها للعوامل الاجتماعية والسياسية والمؤسسية التي ساعدت على نجاح تجارب أوربا من جهة أخرى، فقد تحولت هذه الأحزاب الى واجهات لسلطات ديكتاتورية ترفع شعارات ثورية فاشلة. وحينما فشلت تلك الحركات السياسية قيل أن العلمانية فشلت في عالمنا العربي. والحقيقة أن فشل تلك التجارب لم يكن بسبب فصل السياسة أو الدولة عن الدين، بل بسبب فصل الدولة والسياسة عن الشعب. لم يفشل البعثيون ولا الناصريون بسبب فصلهم الدين عن السياسة. ولم يفشل أبو رقيبة بسبب ليبراليته الزائدة. ولم يفشل القذافي بسبب شعبويته.لقد فشلوا جميعاً ليس بسبب أنموذجهم الفكري بل بسبب أنموذجهم الدكتاتوري. أننا نعاني اليوم من فراغ سلطوي أخطر من الفراغ الذي أعقب سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. فأذا كان البديل المناقض للفكر والأنموذج الإسلاموي واضحاً (أقصد الأنموذج القومي الأوربي) بعد سقوط الدولة العثمانية فأن هذا الأنموذج (العلماني) بات محاطاً بكثير من الشك بخاصة وأن كثير ممن يتبنونه سلكوا نفس سلوك الأسلامويين وراحوا يبشرون بعقيدة علمانوية وليست علمانية.

طريقة للحكم

هنا صار لزاماً أن أوضح قصدي من مصطلح «علمانويون» الذين لا أقصد بهم أولئك الذين يتبنون العلمانية secularism  كفلسفة أو كطريقة للحكم وبناء الدولة وأنما أولئك الذين يؤمنون بها كعقيدة ideology  مقدسة لها حقيقة واحدة وشكل واحد لا يمكن المساس به أو تعديله.

ومثلما مايميز الأسلامويون بين عدوهم وصديقهم على أساس الأيمان بمعتقداتهم ومتبنياتهم فقد صنف العلمانويون أصدقائهم من أعدائهم على أساس دار العلمانية ودار الكفر.العلمانويون هم الذين أحاطوا أفكارهم بسياج دوغمائي عالي يعتمد الأنموذج الثنائي: أما معي أو ضدي. أكثر من ذلك فأن العلمانويون هم أولئك الذين لا يكتفون بفصل السياسة عن الدين بل يريدون فصل المجتمع والثقافة عن الدين. وما دام الإسلاميون يؤمنون بأن الدين هو جزء أساس في المجتمع وأن على الدولة أن لا تكون محايدة بين الدين والكفر،ولا مشجعة أو داعمة أو حتى ساكتة عما يمكن أن يؤدي لتخريب النسيج الثقافي القيمي للمجتمع ،لذا فأنه يجب أتخاذهم عدواً للفكر العلمانوي.

ومثلما جعل الأسلامويون «الكفار» كما يعرفونهم عدوهم الذي يجب مقاتلته،فأن العلمانويون جعلوا الأسلاميين عدوهم الذي يجب القضاء عليه. أنهم يؤمنون بشدة أنه لا نهضة ولا خلاص الا بأقصاء الدين.

أن العلمانويين يعجزون عن الاعتراف بأن الدين ليس ظاهرة فردية فحسب بل هو ظاهرة أجتماعية أصيلة كما يؤكد ذلك كثير من علماء الاجتماع وفي مقدمتهم دوركايم. لذلك فأن عزله عن المجتمع لا يبدو حلاً مثالياً بخاصة في مجتمع كمجتمعنا العربي. لكن لماذا لا يبدو حل العلمانويين لعلاقة الدين بالدولة والمجتمع حلاً مثالياً في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية؟ أفصل ذلك في مقال قادم.


مشاهدات 51
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/12/21 - 1:20 AM
آخر تحديث 2024/12/21 - 5:34 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 354 الشهر 9068 الكلي 10065163
الوقت الآن
السبت 2024/12/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير