ليس التعليم الجامعي شيئاً يخص العراق وحده والذي عرفه حديثاً، فقد عرفته كثير من الدول الغربية ووفق نهجها السياسي والاقتصادي والتعليمي منذ عشرات السنين، وباتت تعرفه اليوم أكثر دول العالم.
واذا كان هذا النمط من التعليم الجامعي خاصاً في تمويله وكسبه، فإن ذلك لم يكن ولم يسمح له البتة أن يكون نشاطاً تجارياً وكسباً عابراً في الدول التي نشأ فيها، فقد كان دوماً في اطار توجيهات السلطات السياسية والتشريعية والقضائية، وقبل هذا وذاك يسير وفق منظومات أخلاقية ومهنية معتبرة ومتميزة. ولذلك كان تعليماً توفرت فيه مقومات الابداعية وأخلاق شرف المهنة.
وفي العراق تنتشر اليوم عشرات الجامعات، وبتزايد مضطرد، مؤسسات التعليم الجامعي الأهلي التي بات ينتسب اليها اليوم مئات الآلاف من الطلبة.
لقد بات التعليم الجامعي الأهلي اليوم في العراق تجارة رابحة جداً الى جانب تجارات العمولات والعملات والعقارات والمولات والمطاعم، ناهيك عن الكراسي السياسية.
تجارة يشتد عليها الطلب في مجتمع لا يبخل فيه على حصول أبنائه على “شهادات وقلنسوات” جامعية!
لا أعتقد أن المهتمين بأمر هذه التجارة لا يعرفون اشتراطاتها “العلمية” وقبلها “المالية”! ليس فقط في استثمارات بنيتها أو مصاريفها التشغيلية، وإنما “بتكاليف” ترخيصاتها! كما انهم لا بد أن يعرفون كذلك من هم المتمكنين من الحصول على هذه الترخيصات ومن هم شركائهم!
إن هذه “البنية التحتية” القوية تصد رياح التساؤلات والحساب عن ما تضيفه هذه الجامعات الى جيوش البطالة المنتشرة في أسواق العمل في العراق.
لم يمتلك المسؤول العراقي، حكومياً أو برلمانياً، من الوعي والشجاعة لكي يتساءل:
من يعلم في هذه المؤسسات؟
ماذا يتعلم ويتمكن الخريجون فيها؟
ما هي التقديرات التقييمية العالمية لهذه المؤسسات؟
بماذا تميزت به هذه المؤسسات عن الحكومية في مستوياتها، وهي تتقاضى آلاف الدولارات كرسوم تعليم من الطلبة، الفقراء في غالبيتهم؟
إن ما تسير عليه الجامعات الأهلية في العراق من سياسة وانجازية لا يخرج من سياقات اعادة انتاج تخلف وتخريج افواج من العاطلين عن العمل المنتج أو المنافس في اغلب الأحيان.
ولكي لا نبقى في اطار النقد غير المنتج والفاعل، نقترح الآتي:
تشديد الرقابة وقطع دابر الفساد والرشاوى في منح ترخيصات تأسيس الجامعات.
تسهيل تلك التأسيسات على من هم أهل لها بامكاناتهم ودوافعهم العلمية ممن يحملون شرف المهنة، لقطع الطريق على “تجار الشنطة” ومقاولين الارباح من ساسة ومتنفذين.
فرض الشراكة مع المؤسسات الأجنبية ذات السمعة والعائدية الانجازية، والاستعانة بالخبراء والمستشارين الوطنيين الذين درسوا ويعيشون في الخارج، وكذلك بالاجانب.
غربلة المناهج التعليمية والتدريبية بما يجعل من مخرجات تعليمها ذات جدوى اقتصادية في اسواق العمل والتنافس.
يجب أن لا تتخلى الدولة كلياً عن دعمها لجامعات التعليم الأهلي استشارياً ومالياً، لأن خريجي هذه الجامعات هم ابناء هذا البلد.
برلين، 05.11.2024