الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أحلام‭ ‬جندي‭ ‬في‭ ‬الماضي

بواسطة azzaman

أحلام‭ ‬جندي‭ ‬في‭ ‬الماضي

قيس الدباغ

 

 

الأمل‭ ‬والآمال،‮ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬مكنونات‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬تكبر‭ ‬وتخبو‭ ‬حسب‭ ‬وضع‭ ‬الإنسان ومتغيرات‭ ‬ظروفه،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬التمتع‭ ‬بالأجازة‭ ‬الدورية‭ ‬للجندي‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬القتال‭ ‬هي‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬حال‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات‭ ‬العقيمة‭ ‬التي‭ ‬نسرد‭ ‬منها‭ ‬صفحات‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭  .‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬امل‭  ‬الجندي‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬يوم‭ ‬خلاصه‭ ‬من‭ ‬الثوب‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬يغطيه‭ ‬من‭ ‬رأسه‭ ‬إلى‭ ‬اخمص‭ ‬قدمه،‭ ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬التغيير‭ ‬والتكيف‭ ‬مهولة‭ ‬فهو‭ ‬يستبعد‭ ‬الآمال‭ ‬الكبيرة‭ ‬تكتيكيا‭ ‬ويتعايش‭ ‬مع‭ ‬الآمال‭ ‬الصغيرة‭.‬

علمتنا‭ ‬حياة‭ ‬الحروب‭ ‬واغلبها‭ ‬موت‭ ‬محقق‭ ‬انه‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتكيف‭ ‬الانسان‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬السلبي‭ ‬فسوف‭ ‬يصاب‭ ‬بكآبة‭ ‬حادة‭ ‬قد‭ ‬تسلمه‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار،‭ ‬وهناك‭ ‬مئات‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬سلبية‭ ‬قاهرة،‭ ‬وقد‭ ‬اهتدى‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات إلى‭ ‬تمائم‭ ‬من‭ ‬المقولات‭ ‬والمأثورات‭ ‬الشعبية‭ ‬تعلقوا‭ ‬بها‭ ‬،‭( ‬كل‭ ‬من‭ ‬يروح‭ ‬بيومه‭ )‬‮ ‬‭ ( ‬والخضرة‭ ‬ماتيبس‭ ‬إلا‭ ‬بعلم‭ ‬خالقها‭ ) ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الايحاءات‭ ‬عاش‭ ‬الجنود‭ ‬في‭  ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬الطويلة‭ ‬القاسية‭ . ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬قطع‭ ‬القماش‭ ‬الخضراء‭ ‬التي‭ ‬جلبتها‭ ‬أمهاتهم‭ ‬من‭ ‬المزارات‭ ‬والحضرات‭ ‬المقدسة‭ ‬لديهم،‭ ‬جميعهم‭ ‬بشتى‭ ‬انتماءاتهم‭  ‬كانوا‭ ‬يلفون‭ ‬على‭ ‬اذرعهم‭ ‬وزنودهم‭ ‬وعلى‭ ‬احزمتهم‭ ‬العسكرية‭ ‬تلك‭ ‬الخرق‭ ‬الخضراء،‭ ‬سواء‭ ‬أن‭ ‬كانوا‭ ‬حاملي‭ ‬شهادات‭ ‬عليا‭ ‬أو‭ ‬قليلي‭ ‬التعليم‭ .‬

‮ ‬لقد‭ ‬تأملت‭ ‬طويلا‭ ‬كجندي‭ ‬استهلكته‭ ‬الحروب،‭ ‬وانتهيت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاستغراق‭ ‬بالحالات‭ ‬السلبية‭ ‬يودي‭ ‬بالجندي‭ ‬الى‭ ‬المهالك،‭ ‬وللعقل‭ ‬البشري‭ ‬قدرة‭ ‬هائلة‭ ‬على‭ ‬الإستمرار‭ ‬بالحالات‭ ‬السلبية‭ ‬وتوالدها‭ ‬والتوسع‭ ‬والتوغل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لانهاية‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬والتصورات،‮ ‬‭ ‬بالنهاية‭ ‬أجاب‭ ‬قول‭ ‬للبارئ‭ ‬تعالى‭ ‬شأنه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬التساؤلات‭ ‬ووضع‭ ‬حداً‭ ‬حاسماً‭ ‬للتصورات‭ ‬السلبية‭ ‬المقيتة‭ (‬وَيَسْأَلُونَكَ‭ ‬عَنِ‭ ‬الْجِبَالِ‭ ‬فَقُلْ‭ ‬يَنسِفُهَا‭ ‬رَبّي‭ ‬نَسْفاً‭ ‬۝‭ ‬فَيَذَرُهَا‭ ‬قَاعاً‭ ‬صَفْصَفاً‭ ‬،‭ ‬لاّ‭ ‬تَرَىَ‭ ‬فِيهَا‭ ‬عِوَجاً‭ ‬وَلا‭ ‬أَمْتاً‭)‬‮ ‬‭ ‬عندها‭ ‬انتهت‭ ‬متوالية‭ ‬الاستغراق‭ ‬في‭ ‬متاهات‭ ‬الأسئلة‭ ‬المحيرة،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الجبال‭ ‬الرواسي‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬مخلوقات‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬تصوراتنا‭ ‬ينسفها‭ ‬نسفا‭ ‬ويجعلها‭ ‬قاعا‭ ‬صفصفا،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بترهات‭ ‬الأفكار‭ ‬البشرية‭ ‬وتأويلاتها‭ ‬غير‭ ‬المنتهية،‭ ‬إذا‭ ‬مرت‭ ‬بك‭ ‬الأهوال‭ ‬فاخرج‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬المتفرج‭ ‬وانتظر‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬الافتراضي‭ ‬لها،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬جاءك‭ ‬الموت‭ ‬فانظر‭ ‬بحدة‭ ‬في‭ ‬عينيه‭ ‬ولا‭ ‬تقطب‭ ‬جبينك‭ ‬ولا‭ ‬تضع‭ ‬يديك‭ ‬فوق‭ ‬رأسك‭ ‬بل‭ ‬قف‭ ‬بشموخ‭ ‬أمامه،‭ ‬عندها‭ ‬سوف‭ ‬يتركك‭ ‬ويذهب‭ ‬لغيرك‭ ‬من‭ ‬المهتزين‭ ‬المرتجفين،‭ ‬وإن‭ ‬اختارك‭ ‬لصحبته‭ ‬فيا‭ ‬هلا‭ ‬ومرحبا‭ ‬إلى‭ ‬مواطن‭ ‬الآمال‭ ‬الكبيرة‭ ‬وما‭ ‬وراءها،‭ “‬اشمالك‭ ‬عالروح‭ ‬اتباريها‭ ‬الموت‭ ‬أولها‭ ‬وتاليها‭”.‬


مشاهدات 475
الكاتب قيس الدباغ
أضيف 2024/07/20 - 1:03 AM
آخر تحديث 2024/11/20 - 6:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 119 الشهر 9243 الكلي 10052387
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير