الأمل والآمال، من عناصر مكنونات النفس البشرية، تكبر وتخبو حسب وضع الإنسان ومتغيرات ظروفه، فقد يكون التمتع بالأجازة الدورية للجندي في جبهة القتال هي الشغل الشاغل، كما كان حال العراقي في حرب الثماني سنوات العقيمة التي نسرد منها صفحات لا تنتهي .في حين ان امل الجندي الأكبر هو الوصول الى يوم خلاصه من الثوب العسكري الذي يغطيه من رأسه إلى اخمص قدمه، وعليه فإن قدرة الإنسان على التغيير والتكيف مهولة فهو يستبعد الآمال الكبيرة تكتيكيا ويتعايش مع الآمال الصغيرة.
علمتنا حياة الحروب واغلبها موت محقق انه إذا لم يتكيف الانسان مع الوضع السلبي فسوف يصاب بكآبة حادة قد تسلمه إلى الانتحار، وهناك مئات الحالات التي حدثت في ظروف سلبية قاهرة، وقد اهتدى الجنود في حرب الثماني سنوات إلى تمائم من المقولات والمأثورات الشعبية تعلقوا بها ،( كل من يروح بيومه ) ( والخضرة ماتيبس إلا بعلم خالقها ) على مثل هذه الايحاءات عاش الجنود في تلك الحرب الطويلة القاسية . فضلا عن قطع القماش الخضراء التي جلبتها أمهاتهم من المزارات والحضرات المقدسة لديهم، جميعهم بشتى انتماءاتهم كانوا يلفون على اذرعهم وزنودهم وعلى احزمتهم العسكرية تلك الخرق الخضراء، سواء أن كانوا حاملي شهادات عليا أو قليلي التعليم .
لقد تأملت طويلا كجندي استهلكته الحروب، وانتهيت إلى أن الاستغراق بالحالات السلبية يودي بالجندي الى المهالك، وللعقل البشري قدرة هائلة على الإستمرار بالحالات السلبية وتوالدها والتوسع والتوغل إلى ما لانهاية من الأفكار والتصورات، بالنهاية أجاب قول للبارئ تعالى شأنه على كل التساؤلات ووضع حداً حاسماً للتصورات السلبية المقيتة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً ، لاّ تَرَىَ فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً) عندها انتهت متوالية الاستغراق في متاهات الأسئلة المحيرة، فإذا كانت الجبال الرواسي من أعظم مخلوقات الله في تصوراتنا ينسفها نسفا ويجعلها قاعا صفصفا، فما بالك بترهات الأفكار البشرية وتأويلاتها غير المنتهية، إذا مرت بك الأهوال فاخرج منها إلى جهة المتفرج وانتظر مرور الزمن الافتراضي لها، وحتى لو جاءك الموت فانظر بحدة في عينيه ولا تقطب جبينك ولا تضع يديك فوق رأسك بل قف بشموخ أمامه، عندها سوف يتركك ويذهب لغيرك من المهتزين المرتجفين، وإن اختارك لصحبته فيا هلا ومرحبا إلى مواطن الآمال الكبيرة وما وراءها، “اشمالك عالروح اتباريها الموت أولها وتاليها”.