فاتح عبد السلام
الشائعات انطلقت بسرعة مذهلة في كل مكان عقب العملية الالكترونية التي استهدفت عناصر حزب الله اللبناني في توقيت واحد. وتوسعت تحليلات الناس وبعضها يبدو مقنعا الى درجة كبيرة، وطغت على آراء الخبراء، حتى تحوّلت الأجهزة العامة للاتصالات بعبعاً لدى أوساط واسعة بين الناس . وقام كثيرون بتغيير عادات تعاملهم مع الموبايل، وصاروا يضعونه بعيداً عن رؤوسهم عند النوم او خارج غرفهم ليلاً، و لا يجيبون على رقم أي متصل من اول “رنة” كما كانوا يفعلون من قبل، وشعر كل انسان في أي مكان انه من الممكن ان يكون مستهدفا عبر اتصال هاتفي يفجر جهازه ، حتى لو كان بائعا بسيطاً على عربة او فرانا في مخبز أو سائق تاكسي، في أي دولة لا علاقة لها بالصراع الدائر في الشرق الأوسط.
وقال أحدهم والجدية بادية في نبرات صوته وقسمات وجهه: ماذا لو كانت جميع أجهزة الهاتف الجوّال ملغومة برقم سري من الممكن ان ترن «جهة معينة” على الأرض او في الفضاء على ذلك الكود السري في الهواتف لتنفجر في وجه البشرية في لحظة واحدة، ولا يبقى على وجه الأرض سوى الناس البسطاء في مجاهيل آسيا او غابات افريقيا الذين لم تدخل شبكات الهاتف والاتصالات الى حياتهم.
خيال الناس حلّق نحو الفضاءات البعيدة في خلال ساعات، حتى انعكس ذلك في السلوك الاجتماعي والطرائف التي تنبت أحيانا من وسط الاخبار السيئة والمآسي المحيطة، فراح أحدهم يقول انه ارتاح يومين من اتصالات زوجته ولا يرد عليها حين يخرج مع أصدقائه، ويعود في اخر الليل ومعه حجته « الأمنية» التي حالت دون ان يرد على الاتصالات المتعقبة لتحركاته ، فمن الذي يضمن انه ليس اتصالاً ملغوماً!
لكن بعيداً، عن الهبة الاجتماعية للناس حول اختراق أجهزة اتصالات محددة لدى حزب الله في لبنان، فإن الحروب التكنولوجية قائمة في كل لحظة بين الدول الكبرى، وهي وسيلتها أحياناً في احباط هجمات حقيقية على الأرض او عبر الأجواء ، ولعل حرب روسيا من جهة وأوكرانيا التي يقف خلفها الغرب من جهة أخرى، تعتمد بشكل واضح على الاختراقات فائقة التقنية، وكم مرة سمعنا تقارير عن اختراق هاتف الرئيس الأمريكي السابق ترامب، بالرغم من انّ هناك حقيقة هي انّ أي رئيس امريكي جديد يجري سحب جميع وسائل اتصاله الشخصية السابقة ومنحه هاتفا مُحصنا ضد الاختراق منذ الساعة التي يدخل فيها الى كرسيه في البيت الأبيض.
وتساءل بعض المراقبين عن سبب عدم اقتداء قادة حزب الله بزعيمهم الذي لم يكن يستخدم جهاز البيجر، وكان من الناجين.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية