لبستُ البارحة قلادة الإخفاء العظيمة ، وكانت من نفس الصنف الذي ارتداه فريد شوقي بشريط فتوة الناس الغلابة .
يممتُ وجهي صوب قصر السلطان المزروع قبالة بحر الظلمات الأكبر ، وكان الوقت عشاء وصوت المؤذن ينساب ويقطر شجناً على باب سلّم مقام الصبا ، ثم يتبدل ويزحف قليلاً نحو عتبات التطريب والتجويد اللذيذ .
كان الحاكم بنهاية التكبير وأول البسملة ، وحيث انحنى واحدودب وقبض على ركبتيه ، عاجلته بقهقهة تشبه تلك التي كانت تخرج من بطن القمقم ، بعد مسحه بكف المراد ودعاء الزاد وقوة الحيل ووجع البلاد وسخام الأيام ولعنة العباد .
كمنت على ميسرة منه كانت ملونة بفاكهة وطعام وشراب ومكسرات ، ومسورة بجوقة خادمات حوريات عاطرات ، حتى أنهى سجدته الأخيرة ونادى بصوت عال مهزوز مرتبك على صاحب الشرطة ، وما هي غير دقائق معدودات حتى حضر الصاحب الطويل صحبة كتيبة من جند مدججين مسلحين هاتفين يا عونك أيها العزيز المفدى !!
سألهم عن سر الضحكة المجلجلة التي سمعها وهو قائم يصلي ، فأنكر الجمع الأمر مرة وأربعين مرة .
طلب الوزير الأول الداهية اللماح وقص عليه الواقعة ، فاحتار واقترح على مليكه جلب الكاهن الأعظم ففعل السلطان ذلك وجيء له بالمجلبب المعمم المزوق الكبير الذي أطرق وبسمل وحوقل واستعاذ واستخار وقال بصوت خفيض مستل من أوشال خطاب جمعة :
إبشر يا سيدي روحي لك الفداء ، فلقد كانت تلك باب معجزة وقد سمعتها أنا مثلك والآن تيقنت من أنها كانت لعبة شيطان أراد بث الرعب بقلبك المؤمن المطمئن ، ولما رآك وقد أكملت صلاتك ودعاءك المستجاب ، أدار لك مؤخرته وظهره وهرب من مدخنة القصر التي خرج منها بتلك اللحظات الحواسم نور هو نور وجهك الذي أضاء أيامنا وحمانا من كل شر رجيم .
أما أنا فلقد غادرت وقلادتي الثمينة المكان الرهيب ، وتركت نعالي الملطخ بروث البقر فوق مائدة حاكم الجهات الأربع بانتظار حفلة كاهن جديد !!