فاتح عبد السلام
البيت الشعري الشهير الذي جرى على لسان أبي العتاهية وعارضه بعده كثير من الشعراء:
فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً
فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ
لم يجد لنفسه مكاناً ليكون واقعاً ممكناً بعد أن أيقن البشر انه من المستحيلات، إلا في الوسط السياسي بالعراق، حيث اعمار السياسيين لا تخضع لجدولة التقاعد ولا لظروف الزمن ونوائب الوضع الصحي وقوانين الحياة البشرية العادية ، فـ»العمر السياسي” هو شيء آخر ، ربما ترى الرجل مقبلاً ضاحكاً مستبشراً حالماً في الأربعين وقد يودّع الملعب السياسي في الخامسة والأربعين، وهناك مَن يبلغ ثمانين حولاً، ولا يعترف بالذي قاله الشاعر العباسي المنهال عوف بن محلم الخزاعي الشيباني:
”إنّ الثمانين وبُلّغتها.. أحوجت سمعي الى تُرجمان» ذلك انّ «السياسي العراقي» كائن سمّاع لما يقال وما لم يُقل وقوّال لما سُمِعَ وما لم يُسمَع،
فالثمانون لا تحرفه عن التفكير في خطط الشوط الثاني من المباراة أو تنسيه الهدف الذهبي الحاسم اذا اضطرته الأحوال للذهاب الى وقت “البدل الضائع”. وهذه هي سمة متلازمة في حياة السياسيين العراقيين منذ أن قامت الدولة الحديثة قبل أكثر من قرن لكنها اليوم مجسمة بتقنية ثلاثية الابعاد، عنوانها بلد وسفيران.
رئيس البرلمان العراقي المنتخب الجديد، مثال على عودة سن الشباب السياسي، التي هي أعلى نفوذاً وقيمة وتأثيراً من السن القانونية المعروفة.
في الأوضاع العراقية الموصوفة بالراكدة في التصنيف السياسي، تنسب هذه العودة الى جنس الاختراقات، التي لا تخترق لذاتها وإن بدَت هكذا في الوهلة الأولى، ذلك انّ اختراقها الحقيقي هي تمهيد لغيرها من “الاختراقات”، التي قد توحي بها “صورة” فوتوغرافية، سياسية عابرة في الاخبار، وماكثة عند مَن يريد أن يقرأ وراء السطور وتحت الطاولات وبين لفائف العمائم وفي جيوب الدشاديش وعند ألوان ربطات العنق. هذه الصورة كان فيها رئيس حكومة سابق لدورتين، مستعد اذا دعاه ”الواجب” لولاية ثالثة أو رابعة أو خامسة، فلا عددَ قادراً على حصر “الولاية” وهذا شأن أية ولاية.
وهذه الصورة اكتسبت أهميتها القصوى زماناً ومكاناً واحداثاً من خلال وجود السفيرة الامريكية فيها.
سيقولون “صدفة”، وما أكثر الصُدف في السياسة، وسيقولون “تهدئة” مواقف وتصحيح مسارات وما اكثر حدوث ذلك في العالم السياسي، وسيقولون « تقية» المظلومين في زمن الظَلمة، وسيزيدون بالقول انه دور جديد وشباب سياسي دائم، فنعود بهم ساعتها الى رئاسة البرلمان العائدة، خارقة أقطاب السن القانونية، سائحة في «ملكوت» الولاءات والتوافقات والاستجابات والاستعدادات، لكل ما هو آت.
إنهم يغزلون غزلهم بمهارة وصبر، كلّ بخيوطه او خيوط معارة، لا فرق، فالمسافة تتقلص يوماً بعد يوم نحو خط الانتخابات، ثمّ بعده تشكيل حكومة جديدة، لها ثوبها المغزول الجاهز المكتمل، وليس ينقصه سوى الارتداء يوم العرض الأكبر.