الغيث نعمة فلا تجعلوه نقمة
سامي الزبيدي
المطر والغيث لفظتان ورد ذكرهما في القران الكريم وبينهما فروقا لغوية ودلالية فالغيث هو المطر النافع الذي يفيد الإنسان والحيوان والأرض والنبات ويقول بعض العلماء ان الفرق بين الغيث والمطر يأتي بسبب النزول فالغيث يأتي من وراء حاجة لأنه يغوث الناس والمطر قد يأتي على غير حاجة ولا يمكن اعتبار كل مطر مفيد وفيه الخير للناس بعكس الغيث .
وفي الغيث قال تعالى (وهو الذي ينزل الغيث بعدما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد الشورى 28) وقوله تعالى (ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام لقمان 34) .
أما المطر فجاء في العديد من الآيات منها (قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم الاحقاف 24) وقوله تعالى (وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين الشعراء 173) وقوله تعالى (وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين الأعراف 84) .
والسؤال هنا هل ما نزل وينزل على مدن العراق خلال هذه الأيام هو غيث أم مطر ؟
وببساطة وحسب رأيي المتواضع انه غيث أنزله الله تعالى رحمة للعراقيين بعد ان شحت المياه عندهم وأراد به تعالى الخير للعراق وشعبه وبهذا الخير تزداد مياه الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية وبه تقل الملوحة في الأنهار وبه يستفاد الإنسان خصوصا الفلاحين لسقي بساتينهم ومزارعهم وبه تغتسل المدن فتنفض عنها غبار الصيف وبه يتحسن الجو ويتلطف لكن الفاشلين والفاسدين من المسؤولين في الدولة والحكومة وبسبب الفساد المستشري في اغلب وزارة الدولة ومؤسساتها ودوائرها خصوصا أمانة العاصمة والبلديات في بغداد والمحافظات فقد أهملوا في واجباتهم كثيرا خصوصا في بناء منظومة مجاري لمياه الأمطار كفوءة ورصينة وتستوعب مياه الأمطار أو الغيث إذا كانت نسب هطولها كبيرة ولم يستعدوا لموسم الشتاء في كل عام فيقوموا بتنظيف منهولات المجاري وتسليك المجاري المغلقة والتخسفات فيها وتجديد منظومات المجاري القديمة .
موسم الشتاء
وهذه الأعمال من صلب واجبات أمانة بغداد وبلدياتها والبلديات في المحافظات التي لم تستعد جيدا لموسم الشتاء ولم يتم بناء منظوما مجاري خاصة بمياه الأمطار حديثة وبأنابيب ذات أقطار كبيرة تتجاوز المترين وبطرق تسهل استيعاب كميات المياه الساقطة على المدن خصوصا العاصمة بغداد التي تأثرت كثيرا بالغيث الساقط عليها فتحول الى مطر مضر عندما دخلت المياه الى منازل المواطنين وتسببت في إتلاف أثاثهم وأجهزتهم الكهربائية ناهيك عن تأثر بناء المساكن بهذه المياه كما فاضت الشوارع وتعذر على العجلات والمارة السير فيها فاضطرت الحكومات المحلية الى الإعلان عن عطلة رسمية سواء في بغداد والمحافظات وهذا ليس حلا لان العطلة فيها ضرر كبير على الدولة ودوائرها وعلى المواطنين لأنها تأخر أعمالهم ومشاريعهم.
كما تسببت المياه والرياح في قطع أسلاك وكيبلات الكهرباء وهذا فشل وفساد آخر تسبب في وفاة العديد من الأبرياء بصعقات كهربائية فراحوا ضحية لإهمال وفساد الفاسدين وسرقتهم للأموال التي تخصص للكهرباء ولمشاريع المجاري الغير جيدة والغير رصينة من قبل مقاولين فاسدين مثلهم وبكلف قليلة ليسرقوا باقي أموالها . ان هذه مشكلة مياه الأمطار تتكرر كل سنة وللأسف لم تولي كل الحكومات هذا الجانب أهمية خاصة والاستعداد له بشكل جيد بإعادة النظر في العديد من مشاريع المجاري وإنشاء منظومة حدية تستوعب كميات الأمطار النازلة وتبديل المتضرر منها لا اللجوء في كل عام الى أعمال ترقيعية لا تقدم حلولا كافية لهذه المشكلة التي تتسبب في أضرار كبيرة للدولة وللمواطنين كما لم يتم الاستفادة من مياه السيول التي تأتي من شرق البلاد وغربها ببناء خزانات كبيرة لخزن مياه هذه السيول في محافظات السليمانية وديالى وواسط وميسان والانبار للاستفادة منها صيفاً في تعزيز مياه دجلة والفرات بدل ذهابها هدرا , ونذكر هنا حكومتنا وأمانة بغداد ان مجاري مدينة لندن تم بنائها عام 1859 و 1865 ولا زالت عاملة لحد الآن وبكفاءة عالية وأنابيب تصريفها تستوعب عجلة صغيرة تمشي داخلها فمتى تنجز في بغداد والمحافظات منظومة حديثة لمياه الصرف الصحي ومياه الأمطار اسوة بعواصم ومدن دول العالم لتنهي معاناة المواطنين وتتجنب الحكومات الانتقادات الكبيرة التي توجه لها .