الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
طريق‭ ‬الإصلاح

بواسطة azzaman

طريق‭ ‬الإصلاح

محمد زكي ابراهيم

 

يظن‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬هواة‭ ‬السلطة،‭ ‬أن‭ ‬طريق‭ ‬الإصلاح‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬الانتقادات‭ ‬الحادة‭ ‬للقوى‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭. ‬ويؤمن‭ ‬أن‭ ‬رفع‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬تبشر‭ ‬بالخلاص‭ ‬من‭ ‬الأوضاع‭ ‬السيئة،‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬للمشكلة‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬طريق‭ ‬الخلاص‭ ‬في‭ ‬رأيه‭ ‬هو‭ ‬الفوضى‭ ‬الإعلامية‭ ‬والأمنية،‭ ‬التي‭ ‬تربك‭ ‬الشارع،‭ ‬وتعطل‭ ‬الحياة‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬وجود‭ ‬رغبة‭ ‬عارمة‭ ‬في‭ ‬الإمساك‭ ‬بزمام‭ ‬السلطة،‭ ‬عبر‭ ‬دغدغة‭ ‬مشاعر‭ ‬الجماهير،‭ ‬وإيهامها‭ ‬بإمكانية‭ ‬تغيير‭ ‬الأحوال‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬بمجرد‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬و‭ ‬إطلاق‭ ‬الهتافات‭ ‬المدوية‭ ‬فيه،‭ ‬ووصم‭ ‬من‭ ‬يتجنب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬بأنه‭ ‬ضالع‭ ‬في‭ ‬مناهضة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬مناصر‭ ‬للسياسات‭ ‬المناوئة‭ ‬له‭.‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بلداننا،‭ ‬التي‭ ‬يناصب‭ ‬مواطنوها‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرسمية‭ ‬العداء،‭ ‬كلما‭ ‬وقع‭ ‬مكروه،‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬حادث،‭ ‬ويوجهون‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة،‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬وسيلة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬إلا‭ ‬باستبدال‭ ‬الوجوه،‭ ‬وتغيير‭ ‬السياسات،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬جل‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬التخطيط‭ ‬المركزي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ (‬الاشتراكية‭)‬،‭ ‬وأعلنت‭ ‬القطيعة‭ ‬معه،‭ ‬وحاولت‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬أسس‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬يقوم‭ ‬على‭  ‬المبادرة‭ ‬الفردية،‭ ‬وتشجيع‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المحلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬أي‭ ‬وضع‭ ‬مفاصل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بأيدي‭ ‬رجال‭ ‬أعمال‭ ‬مفترضين،‭ ‬يشكلون‭ ‬القوة‭ ‬الصاعدة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬المنشود‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬تراجعاً‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وسياسياً،‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬فكرية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬وعي‭ ‬خلاق،‭ ‬ونشاط‭ ‬عقلي‭ ‬مستنير،‭ ‬ورؤية‭ ‬واضحة‭ ‬للتقدم،‭ ‬وليس‭ ‬بدعاً‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬سبقته‭ ‬نهضة‭ ‬ثقافية‭ ‬وقيمية‭ ‬وعلمية،‭ ‬فلم‭ ‬تحدث‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬المفكرين‭ ‬العظام،‭ ‬الذين‭ ‬أرسوا‭ ‬أسس‭ ‬العقلانية‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬ولم‭ ‬تنبثق‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استوعب‭ ‬المجتمع‭ ‬أفكار‭ ‬عصر‭ ‬الأنوار،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬غمرت‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الهجرية‭ ‬الأولى،‭ ‬لم‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬عقالها‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭  ‬ظهور‭ ‬الجامعات‭ ‬والمدارس‭ ‬وحلقات‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬الحواضر‭ ‬الكبرى‭.‬

إن‭ ‬الإصلاح‭ ‬الذي‭ ‬يروق‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬يتزين‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬يخرج‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬متلفعاً‭ ‬بردائه،‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬بالنوايا،‭ ‬ولا‭ ‬يخرج‭ ‬إلى‭ ‬النور،‭ ‬أو‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬واقع،‭ ‬عبر‭ ‬الشعارات‭ ‬والتظاهرات،‭ ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تنهض‭ ‬بعمل‭ ‬جبار‭ ‬يقلب‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وينقلهم‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬إلى‭ ‬حال‭.‬

‭ ‬وللأمانة‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬والفئات‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أدركت‭ ‬سر‭ ‬التخلف،‭ ‬واجتهدت‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬منظومات‭ ‬فكرية‭ ‬جديدة‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬أهداف،‭ ‬فإنها‭ ‬وضعت‭ ‬أصابعها‭ ‬على‭ ‬الجرح،‭ ‬وعلمت‭ ‬أن‭ ‬إزاحة‭ ‬قوى،‭ ‬والإتيان‭ ‬بغيرها‭ ‬لن‭ ‬يحل‭ ‬المشكلة،‭ ‬ولن‭ ‬يصبح‭ ‬العرب‭ ‬بواسطتها‭ ‬قوة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فقامت‭ ‬بتبني‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬القومية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬والليبرالية‭ ‬والدينية،‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬أصحابها‭ ‬في‭ ‬الوسائل‭ ‬والأهداف،‭ ‬لكنها‭ ‬أخفقت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭  ‬بعد‭ ‬اشتداد‭ ‬حدة‭ ‬الخلافات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬وتبديد‭ ‬قواها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬طائل‭ ‬وراءه‭.‬

‭  ‬إن‭ ‬على‭ ‬النخبة‭ ‬أن‭ ‬تنتبه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬العرب،‭ ‬بعد‭ ‬تحررهم‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬بالدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وقوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي،‭ ‬وتدرك‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬منعهم‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬النهضة،‭  ‬فالنخبة‭ ‬هي‭ ‬المؤهلة‭ ‬قبل‭ ‬غيرها‭  ‬لاكتشاف‭ ‬مواطن‭ ‬الخلل،‭ ‬وسبر‭ ‬عوامل‭ ‬القوة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬الطريق‭ ‬الحقيقية‭ ‬للتغيير‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬التجارب‭ ‬المؤلمة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬منظومة‭ ‬فكرية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬انتشالها‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تخلف،‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬مهمة‭ ‬الإصلاح‭ ‬متعسرة،‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬بوسع‭ ‬من‭ ‬هب‭ ‬ودب‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬نفسه‭ ‬مصلحاً‭ ‬عظيماً‭  ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬به‭ ‬تنفيذ‭ ‬برامجه‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭.‬


مشاهدات 109
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2024/11/01 - 9:08 PM
آخر تحديث 2024/11/05 - 12:55 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 84 الشهر 1747 الكلي 10044891
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/11/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير