أوقفني وقال لي

نجمان ياسين

 

أوقفني في الحقيقة

وقال لي:

ها أنتَ ذا تُبصِرُ مدينةَ روحك

أينما حَلَلتَ

فلا تغفل

وأنتَ تدرجُ في دروب الدنيا

أو تزوغ!

وتذكر، أنّ ما من لذة

وما من مدينة

ما منْ مَسرّاتٍ ومباهج

وما مِنْ نجوم وأقمار

توهـمت بأنها الخلاص

أو ما يشبه الخلاص

تُتيحُ لك أن تغادر مدينة روحك

تلكَ التي أنشأتَ

وبددتَ حياتَكَ في طُرقاتها المُلتبسة

*****

أوقفني في العطايا

وقال لي:

الجمال الآسر في رأسك

والفجر في قلبك

وبسالة الروح

بعض هباتي، إليك

وأنا المنّان

قدّرتُ عليك

أن تشتعل بنورك

وتسافر في هذا الحريق الفتّان!

*****

أوقفني في الظلام

وقال لي:

الروح مقرورة

والقلب زمهرير

فاصرخ:

عبدك يا ربي

بين يديك، محزون وطعين

فأحطه بنورك

واجبر فؤاده المكسور

وأسكنه النور!

*****

أوقفني في مخالب الوحشة

وقال لي:

جَمرُك نورُكَ

فاستَعِنْ بلظاه

ودُقَّ عُنقَ الكآبة

وتَرَنَّم بالفرح!

*****

أوقفني في الموج

وقال لي:

هي ذي النجوم تَدعوك

فدبِّ في قرارة اليمَّ

واغسل هذا القلب

بفضة نجمتك الشاردة!

*****

أوقفني في النور

وقال لي:

أسلمتُكَ مائدةَ السموات

وطفولةَ الإشراق

فالتمس سحرَ الحجاب

وحرائقَ الوصول

*****

أوقفني في الألَمِ

وقال لي:

مُتصدِّعُ الروح، أنتَ

وجريح

فتمسك بهذا النــزيف الجميل

أطلقه من أسلاك الظلام

وقُدهُ إلى رفيف النجوم!

*****

أوقفني على حدِّ السيف

وقال لي:

دمُك دليلُكَ

فَتَوضَأ بنوره

وامشِ على صراطـ ك المستقيم

جذلان

يقظ العينين!

*****

أوقفني في فم العاصفة

وقال لي:

هيأنا لك أن تكون جبلاً راسيا ً

وأن تقتحم الريح

ثابت الجنان!

*****

أوقفني في تاج الجبالِ

وقال لي:

أنظر الينابيعَ

والشجرَ الباسقَ

وهذا المدى الأزرقَ في الأعالي

وليحتضن صقرُ روحك

عذوبةَ السماء

وسرَّ الأغنية!

*****

أوقفني في المحنة

وقال لي:

الينابيعُ أمامَ ناظِريك

والينابيعُ ترنو إليك

فَتخيَّر سلسبيلَ النَبع

وانهَلْ من قدوس الماء!

أوقفني وقال لي:

الأشجار حواليك

والأشجار بين يديك

فاقطف ما شئت من ثمر الكشف

وارشف عسل التجلي!

*****

أوقفني في نهر طفولتي

وقال لي:

إنفض ما تراكم من سخام كهولة الروح

ولا تدع سأم القلب، يرديك في فك الأسى

ويسلب بريقك!

أوقد قنديلك

واطرق رأس هذا الظلام

وعانق حريقك!

 

 اديب عراقي - رئيس أسبق للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق