فاتح عبد السلام
هناك تناقضات شديدة الوضوح يبدو انّ العالم يستلذ بوجودها ويتعاطى معها كأمر واقع برغم كل المحظورات التي تحيط بها على الورق وفي القوانين النافذة.
فـ»حزب الله” و”حركة حماس” هما تنظيمان مصنفان على قوائم “الإرهاب” في دول عدة في العالم، لكنهما تنظيمان كانا ولا يزالان يعملان على الأرض في لبنان وقطاع غزة ، وتتعاطى معهما جميع الأطراف ذات العلاقة في العمليتين السياسيتين في لبنان وفلسطين في العلن، والأدهى من ذلك انّ إسرائيل ذاتها تتفاوض منذ سنة مع حركة “حماس الإرهابية” عبر الوسيطين المصري والقطري، في حين انّ هناك اتصالات دولية قطبها ”حزب الله” ذاته الذي يخوض الحرب في واجهة محور المقاومة الإيراني ، من خلال المُخوّل بالصلاحيات السيد نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني دستوريا ، والقائد الفعلي رسمياً للحركات الشيعية في لبنان ،المنقسم منذ القانون رقم -50- على واقع طائفي لا تخطئه العين.
الحروب تنتهي بالمفاوضات بغض النظر عن الطرف المنتصر، لكن لابدّ من خط نهاية مثلما كان هناك خط بداية، ذلك قانون من قوانين الحياة على هذا الكوكب، لذلك نرى إسرائيل عبر الوسطاء تتفاوض مع التنظيمين “الإرهابيين” كما هو تصنيفهما الدولي، وكذلك تتراسل عبر أطراف ثالثة ورابعة وخامسة مع “العدو الإيراني” قبل قصفه وأثناءه وبعده. انّها لغة محيرة يختزعها المتحاربون استجابة لحاجاتهم، وهي ذات مفردات خارجة على مديات معاني كل القواميس التي جرى إرساؤها والتنظير لها ، لأنّ هناك حقيقة من السهولة اللعب بها واغراقها بالدماء وصرخات الأطفال والنساء وسط اللهيب في بيت لاهيا أو جباليا، لكن لا يمكن طمسها للأبد، تلك الحقيقة هي انّ هناك “يوماً ما” ستنتهي فيه هذه الحرب، بغض النظر عن المنتصر أو الحروب التي ستولد في اثرها بعد سنتين أو خمس سنوات أو عقدين من الزمان.
وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت وصف تعيين امين عام جديد لحزب الله بأنه مؤقت ولن يدوم على غرار سابقيه، وهذا احتمال قوي، لكن في الأخير، مع مَن سيكون التفاوض؟ اذا كل مسؤول مخول في الطرف المقابل يحمل لقب “مرحوم” مع صدور قرار تعيينه.
هناك معادلة غير مرئية للجانب الإسرائيلي وهي انّ الفلسطينيين كشعب وقوى سياسية في السلطة او خارجها لا يزالون يتعاطون السياسة مع حركة حماس، واحتضان القاهرة لسلسلة اجتماعات حركتي “فتح” و”حماس” سنوات عدة، خير دليل.
كما اننا لو افترضنا تمكن إسرائيل من تحطيم كامل القدرة العسكرية والتنظيمية لحزب الله بحجكم التفوق العسكري، فإنّ هناك واقعاً لبنانياً لا يمكن تغيير ملامحه الديمغرافية ، كما انّ ايران تستطيع أن تعيد بناء الحزب لو بقي منه مائة عنصر فقط، لأنّ السلاح والمال والقرار والدعم بيدها ولم تتخل بعد عن هذا الخيار.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية