فاتح عبد السلام
مَن يكتب في شؤون الحياة العامة، وعلى نحو يومي منذ أزيد من ربع قرن، يتورط في التعرض الى الأسئلة المتكررة المتصلة بالأحداث اليومية التي لا تبدو لها نهايات واضحة بالرغم من بعض الوضوح في بداياتها.
منذ ايام، تردني أسئلة عن توقعاتي في مسألتين.
أمّا المسألة الأولى فهي عامّة تخص شأن الحرب الإسرائيلية في غزة وكيف ستكون نهايتها؟ كنت قبل أسابيع قد كتبت حول العدد التنازلي لنهاية هذه الحرب وتوقفها بالرغم من عدم وجود دلائل على هذا التوجه، وخرج بعدها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مُصراً على قرار الهجوم ضد رفح في قطاع غزة. لا زلت أرى انّ خيار إسرائيل الوحيد في غزة هو أن توقف الحرب عبر التسلسل المُعلن ما بين محادثات الدوحة وباريس والقاهرة، لأنّ نظرية عدم تأثر إسرائيل بالمشاكل والتداعيات الإقليمية والدولية الناتجة عن عمليتها العسكرية الكبيرة هو خرافة لا يمكن أن تنطلي على أحد. كما انّ «الحدود الآمنة» من الجوار الأردني واللبناني والمصري والسوري لن تبقى صكاً أبدياً كما كان التداول الإعلامي والسياسي، بعد وقت غير معلوم من استمرار الحرب. والاسئلة تحتمل دائماً: وماذا بعد حرب غزة؟ فأقول انّها حرب أخرى مع جنوب لبنان، اذ من المتوقع انّ إسرائيل تفكر بالقوة الموجودة لدى حزب الله، وهي دقيقة التصويب وكثيفة العدد، ولا تقارن بإمكانات الفلسطينيين المتواضعة، وانّ النهج الاستباقي سيبقى هاجساً لدى تل ابيب وقد تتعاطى هي معه، قبل أن يتكرر ضدها.
أمّا المسألة الثانية، فهي العلاقة بين بغداد وأربيل، هل هي عملية تسكين للأوجاع عبر علاقات موقتة بين القيادتين في الجانبين، ما تلبث أن تنكسر السقوف وتخرب السدود في اية أزمة جدية مقبلة أو عند التغييرات السياسية في المناصب والأشخاص؟ السؤال يحتمل بعض معاني الإجابة، ذلك انه لا توجد عملياً أسس رصينة للمضي بالعلاقات نحو جعل “الدستور” هو المظلة العليا التي لا بديل عنها، وغير القابلة للتهديد والوعيد والتخوين.
سبب القلق الذي أراه واضحاً في أفق تلك العلاقة، هو، انّ بعض الازمات تكاد تعيد الجميع الى المربع الأول المليء بالألغام، وكأنّه لا وجود للدستور الذي يتوافر على نص الفيدرالية والحكم الاتحادي.
وجوابي باختصار شديد، انه ليس هناك ضمانات وطنية لجعل المركب العام للبلد يسير على نحو مستقر من دون مطبّات، وسياسة ترحيل المشاكل من حكومة الى أخرى هي ذاتها كانت سبباً في التعقيد الحاصل اليوم.
ولا ينتهي الكلام عند هذه النقطة أبداً.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية