الإزاحة بيعاً للأوهام
جاسم مراد
لم يعد الهم في سياق التناقضات ، هو ترسيخ بناء الدولة ، والبناء على ما تم إنجازه ، وإنما صارت الازاحة واحدة من هموم الكتل السياسية والشخصيات النافذة في السلطة ، فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة ، وهي الفترة التي اقتربت اليها الانتخابات ، عن إمكانية إزاحة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني بشخصية أخرى أو فرض عليه اشتراطات تتفق مع رغبات وهواجس ومصالح الكتل ، وهو الذي كما يشاع لا يقبلها ، وهذه الطريقة في السلوك السياسي لا تتفق ابداً مع ترسيخ بناء الدولة وتحديث مؤسساتها والتفاعل مع متطلبات المواطنين في التحديث والبناء والتطور .
بالطبع الازاحة التي كثر الحديث عنها ، ليست هي الحل ، خاصة وان ما تعودنا عليه إن الذي يأتي لا يبني أفكاره وسلوك عمله على ما تم انجازه حتى يخلق عملية تراكم فعلي في تطوير مؤسسات الدولة والتخلص من الطفيليين والهدامين والمرتشين والنهابين ، وإنما يؤسس العمل على ما يخدم اطرافاً وكيانات وجماعات ، وهذا هو الذي عاد بنا الى الخلف والى التراجع في العلاقات الاجتماعية ، مما دفع الكثير من التجمعات البشرية والعشائرية الى تخطي القوانين وفرض انفلاتها على الدولة والامن الوطني والعلاقات الاجتماعية .
لو اخذنا الفترة التي ترأس فيها السوداني وهي بالطبع لا تزيد عن السنة ولا تصل الى السنتين ، فقد حقق إنجازات مهمة في البنى التحتية وفي انشاء الجسور وربط شبكة المواصلات بين المدن والاحياء البغدادية وتحسين الشوارع والعمل على تطوير البنى الصحية وإنجاز العديد من المشاريع المتوقفة عبر سنوات طويلة ، وان حكومته ماضية لمعالجة أزمات البنى التحتية ، وهو القائل لا يمكن اصلاح وتطوير البناء بدون بنى تحتية حديثة ومتطورة ، وهناك رغبة جادة في توسيع دائرة الاستثمار السكني والاقتصادي ، وإعادة بناء المشاريع المتوقفة منذ عام ( 2005) وصرفت عليها مليارات من الأموال العراقية بالعملتين الوطنية والأجنبية .
مصانع ومعامل
والمهتمون بالشأن الاقتصادي يشيرون الى أن من الضرورات لأي سلطة تحكم إذا لم تتطور العملية الاقتصادية عبر إعادة وتشغيل المصانع والمعامل المتوقفة وبناء علاقات متوازنة مع القطاع الخاص وتهيئة الشروط المرنة للاستثمار الوطني والاجنبي فأن معالجة ازمة البطالة في صفوف الشباب والخريجين تبقى عاجزة عن معالجة هذه الازمة المتداخلة وطنيا واجتماعيا .
ومن المؤسف بات القطاع الطفيلي في التجارة وتوريد المواد السهلة الغذائية والتجارية من دول الجوار على حساب المنتوجات العراقية ، هذا الأمر يخلق خللا في السوق ويحبس قدرة الدولة والقطاع الخاص على التطور والمشاركة الفعالة في تنشيط الاقتصاد ، وهناك اطراً متعددة أشخاصا وكيانات سياسية ومجموعات لا يهمها حقوق ومستلزمات الداخل شعبيا ووطنيا بقدر اهتمامها بما تحقق من موارد مالية وتشغيل أسواق الدول المجاورة ، وهذا الخلل وغيره من الممارسات الدونية يوسع عدم الثقة بين السلطة والدولة وبين الشعب .
ويذكر الكاتب والاديب الروسي الكسندر دوغين في كتابه ( نظرية عالم متعدد الأقطاب ) ( إن التفكير الأحادي المندمج مع الانانية والسيطرة يفقد التفكير العقلاني في تطوير الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية ) . وهذا ما يلاحظ من سياسات التنافس والازاحة بين الأطراف والكتل السياسية في بلدنا ، حيث يجري الحديث على البحث عن الاسقاطات هنا وهناك لسلطة محمد شياع السوداني ، بغية الوصول للإزاحة ليس لأنه لم يشتغل في تحقيق برنامجه وإنما لكونه يرفض الاملاءات ويريد الاستمرار بتحقيق ذلك البرنامج ، وحسب رؤية ومتابعة المعنيين بأن وزارة السوداني هي الأكثر ديناميكية في تحقيق الكثير من المشاريع البنيوية والاستثمارية ، واستطاع أن يبني العديد من الجسور التعاونية في المحيط العربي والمجاور للعراق وفي الساحة الدولية .
صحيح أن هناك الكثير لم ينجز وفي مقدمتها الكهرباء وغيرها من المشاريع المتعلقة بالحياة اليومية للمواطنين ، وهذا خلل تراكمي إذ كان في أجهزة الدولة أو بالضغوطات الخارجية أو بكثرة المواعيد وضعف المعالجة والأداء ، في حين الكثير من المؤسسات ومواقع العمل تحتاج لعمل ثوري غير تقليدي واناس اهتماماتهم وطنية تسبق الانانية السياسية والتمحورات التي شكلت واحدة من أسباب التراجع في كل المستويات .
هنا لا ندافع عن شخصاً بعينه ، لكن ما يثير الاهتمام هو ليس هذا أو ذاك وإنما المشكلة إن الذي يأتي ليس من باب خلق تراكمات الإيجابي لما حققه سلفه ، وإنما يجتهد لما يحققه لكتلته وجماعاته مما يؤي الرجوع للخلف واضعاف الدولة ومؤسساتها ، فكثيراً ما كان واضحا بأن مطالبات الازاحة ليس من أبواب الدفاع عن كيان الدولة وتطوير عمل المؤسسات ، وإنما لترسيخ مفهوم الانانية السياسية والسيطرة على السلطة ومكونات الدولة الأساسية .
نحن نعتقد إذا كان السوداني يخرج بكتلة انتخابية مستقلة ، فأنه يستطيع أن يحصد على الأقل ( 40) عضوا في مجلس النواب الجديد ، وبذلك نضيف صراعات جديدة لما هو قائم ، وبهذا تكون الدولة العراقية هي الخاسرة والشعب هو المتألم من تلك المروحة من الانشقاقات والتصادمات .
نحن كمواطنين بحاجة ماسة لدولة وقوانين إضافية متطورة تحاكي مايجري في العالم ، وليس بالرجوع الى الخلف بدواعي وأفكار ومشاريع هي بالضرورة خارج منطق التحضر والبناء ، لذلك نـــــــــــطالب بوقف الازاحات والعمل على بناء الإيجابي بما تحقق .