الزمان.. صحيفة الزمان والمكان
عماد المعيني
في فترة من الزمن القريب امتلئت الساحة بعشرات ان لم تكن اكثر من الصحف والمجلات بحكم الانفتاح على كل شيء بحيث اصبحنا لا نقوى على حفظ اسمائها, لنكتشفت بعد فترة من الزمن اختفاء الجزء الاكبر منها ولم يظل منها الا الصحف التي تمتلك مقومات البقاء وديمومته , ويقيناً ان هذا الانحسار الكبير لم يأت من فراغ انما اكتشفت تلك الصحف انها لم تعد تقوى على تهيأة نفقات الصحيفة حيث المردود المادي لم يعد يغطي تلك النفقات. والمنطق يقول ان البقاء للافضل اي بمعنى ان الصحيفة التي لم يجد فيها القراء بمختلف ثقافاتهم مبتغاهم وبانها بالمستوى الذي يوافق ما يصبون اليه فمن المؤكد انهم سيبحثون عن صحيفة اخرى فتبدأ تلك الصحف بالانحسار او الركود والمياه الراكدة تتحول بعد فترة الى مياه آسنة. ولو نسأل ما هي مقومات نجاح الصحيفة وان لم نكن متخصصين بهذا التقييم الا انني اتكلم من كوني قارىء او مواطناً عادياً ولست ناقداً او محللاً, فارى ان من اهم تلك المقومات هو المحتوى , اي ما يكتب فيها وهذا تعتمد درجة قبولة على نوع المكتوب ومصداقيته واهميته لدى المتلقي وحِرَفيّة وخبرة ودراية الكاتب بما يكتب ,بل وتنوع المحتوى واسلوب طرحه وكيفية خلق قنوات من التواصل النفسي بين محتوى الصحيفة والقارىء ونقصد بالتواصل النفسي ان يشعر القارىء برشاقة الطرح وانسيابية التفاصيل بعيدأ عند التكرار والاسهاب الممل وهذا يعتمد بشكل كبير على مدى تخصص كادر الصحيفة في المجالات التي يكتبون بها يضاف له جمالية الاخراج والتصميم ونوع الطباعة وهذه كلها اراها اموراً تكميلية تاخذ قيمتها من اول نظرة لا اكثر.
وحقيقة ومن خلال متابعة صحيفة الزمان وجدت الى حد كبير بانها الاقرب من كل الافكار حيث وجدت فيها تنوع المواضيع الثقافية والاجتماعية والادبية والانسانية والرياضية وغزارة محتواها مع وجود مساحات كبيرة لأقلام خارج الوسط المهني للصحيفة وهذا ما لم اجده بهذا القدر في صحيفة اخرى فمن الممكن ان نقرأ مقالاً لأحد الاعلام والاساتذة والمتخصصين وبجواره مقال لمواطن قد يكتب لأول مرة مما يضفي عليه حين يرى مقالته في تلك الصحيفة وهي تحمل هذا الاسم وهذا القدر الكبير من التقدير عند الناس من المؤكد ان هذا الكاتب سيشعر بثقة كبيرة في نفسه تدفعه ليكتب مرة اخرى ولكن بحذر ان يكون ما يكتبه ذو قيمة وهذا من المؤكد سيدفعه للقراءة والبحث فساهمت الصحيفة دون ان تعلم بتطوير الثقافة الذاتية له وهذا يحسب لها انها ستخلق بمرور الزمن قدرا كبيراً من المثقفين ابتدأوا معها وكانت راعيهم الاول.
ويحسب لها المتابعة الدقيقة لكل الاحداث المؤثرة في العالم وعلى كل الاصعدة مع الاهتمام الدقيق بالاحداث الداخلية المتمثل بالتحليل العميق والبنّاء بالاعتماد على رأي الخبراء والمحللين من اكاديميين ومتخصصين فتجعل القارىء بتصور كاف يستطيع معه ان يستشرف المستقبل ليتخذ قراراته الشخصية المستقبلية وفق هذه الرؤية.
ومن المؤكد لادارة الصحيفة ابتداءاً من رئيس تحريرها نزولاً الى اصغر موظف فيها الاثر الكبير في الوصول الى هذا القدر الكبير من الاحترام والحب لدى الناس وبحكم الخبرة الطويلة لهم في هذا المجال والتي تم توظيفها مع الاخذ باستخدام الوسائل الحديثة في مجال الصحافة والاعلام جعلت هذه التوليفة ما بين الخبرة والحداثة تخلق ذلك التجديد المحافظ على الاصالة في ذات الوقت. كما انها ومن خلال متابعتنا اليوميه لها نجدها غالباً ما تطرح الكثير من المواضيع التي استهلكت مادتها باسلوب جديد يضفي عليها نوع من الرغبة لدى المتلقي للقراءة والتمعن لتوصل اليه بطريقة شفافة ما تراه من جديد فيها, وبذات الوقت تطرح تصوراتها لتخلق نوعا من التفاعل مع تصورات القارئ وان كان بعيداً عنها فاصبح للصحيفة وهي بين يدي القارىء صوت وسمع وروح.
موضوع تاريخي
واجمل ما فيها انها تقريبا في كل عدد يصدر نراها تسوق موضوعاً تاريخياً عن حدث من احداث تاريخ العراق المعاصر تطرحه بواقعه وظروفه ودوافعه بحيادية مطلقة لكي لا تنقطع الصلة بين القارئ وتاريخه او لتعطي فكرة للقارئ الذي لم يعاصر تلك الاحداث فتنمي لديه الشعور بالانتماء مع ماضيه ولكي تكون له مساحة كافية من المعلومة الرصينة يستطيع ان يتحرك بها , او تضفي على الصحيفة ذلك الجو الجميل بالخوض في عادة قديمة او تقليد اجتماعي او قصة فتنثر على اوراق الصحيفة شيء من عبق التراث الجميل.
ويظل موضوع امانة الطرح من ثوابتها بعيدة عن التعصب او التحزب او التمجيد او التهميش ولا تقفز فوق معاناة الناس بتبرير الواقع بقدر ما تلامس تلك المعاناة لأنها جزء منها, واجزم ان لايوجد قارىء واحد يمكنه القول ان هذه الصحيفة تتحدث بلسان شخص او جهة بقدر ما انها تتكلم بصوتها وقناعتها وهذا سر ديمومتها لأنها تعلم جيدا ان الخط الفاصل بين النور والظلمة لحظة فجر عمرها اقصر من عمر المواراة.
واحياناً نراها تطرح موضوعاً مهماً بكل تفاصيله وحيثياته دون ان تطــــــــــرح وجهة نظرها فيه فتترك للقارئ حرية التحلــــيل والاستنتاج والاستنباط بعد ان تحفز في مكنونة رغبة المحاولة لتخلق منه قارىء قادر على ان يعبر عن قناعته ورأيه بقدر كبير من الثقة دون ان تقحمه بشيء من الاكراه في زاوية رأيها الخاص الذي من الصعب ان يتوافق مع الخليط الغير متجانس من ثقافة القراء.
وقد يسأل البعض عن دلائل ما اقوله من باب المحاججة او الفصل بين مديح عابر وبين بيان حقيقة قائمة, فأقول ان صحيفة وعلى مدى اكثر من عشرون عاماً وهي بذات الالق والحضور وكأنها أحدى اغنيات الزمن الجميل التي تلامس مشاعرنا وتثير كوامننا بذات اللمس والاثارة حين سمعناها اول مرة فتثير في داخلنا ذلك الاحساس الجميل باننا وبرغم انثتار الشيب في مفرقنا قادرون على ان نحب من جديد, انها وبأمانة تستحق ما كتبناه من باب الحق والانصاف .
سطوة الجوال
فالف شكر لكادرها كله, شكراً لأوراقها واقلامها ودواتها وحيطانها التي احتوت صبرهم ومعاناتهم وسهرهم وتفانيهم وقلقهم, شكراً لصحيفة الزمان التي استطاعت ان تأخذنا من سطوة جوالنا لتعيد الينا حلاوة القراءة مع صوت تقليب الورق ذلك الصوت الذي افتقدناه كثيراً, حيث لم نكن نعلم ان لصوت الورق هدهدة انيقة ولأنتظام السطور فيها انتظام دقات قلب معافى , وان الذهاب لشراء صحيفة الذ الف مرة من معلومة تأتينا فوق السرير, واكرمتنا بنظرة التعجب حين يرانا الاخرون ونحن نحمل صحيفة بين ايدينا فنشعر بالزهو وكأن فينا بقايا السيـــاب او العـــــــــــقاد او جبـــــــران خـــــــليل جبران.
شكــــــــراً لهــا لأنها باقيـــة, والف شكر لها لأنها مصممة على البقاء.