في موعد الرحيل .. عدسة سليم تحيي ذكرى شيخ المدربين
الأولمبية تحتفل بمعرض صور و(الزمان) تستحضر الميلاد الأخير
عمار طاهر
في أمسية جميلة، تزينت بحضور نخبوي، واجواء رائعة، احتفلت اللجنة الأولمبية بالذكرى السادسة عشرة لرحيل شيخ المدربين عموبابا بكلمات وقصائد ومعرض صور اقامه المصور الرياضي المبدع قحطان سليم جاء بعنوان (السفر الخالد) وهي ليست المرة التي يقيم فيها سليم معرضا للصور استذكارا للمحطات الخالدة في حياة افضل مدرب في القرن العشرين.
(الزمان ) كانت حاضرة برئيس تحرير طبعة العراق الدكتور احمد عيد المجيد، ورئيس القسم الرياضي الدكتور ساري تحسين، فضلا عن مجموعة من الشخصيات النيابية والرياضية والاعلامية التي اشادت بتاريخ كبير ، وانجازات مشهودة فرضت نفسها بقوة على المشهد الرياضي، فبقت ماكثة في الذاكرة، لا تبارحها.. رغم مضي السنين ومرور الاعوام.
استهل الحفل الذي اقيم على حدائق نادي الفروسية بكلمة لرئيس اللجنة الأولمبية الدكتور عقيل مفتن.. تحدث فيها عن مأثر الشيخ، وحضوره المدوي في سماء الكرة العراقية، عادا هذا الحدث منهج عمل لمسيرة جديدة يراد منها تصحيح العمل الأولمبي، واكتمال جوانبه الرياضية والادارية والاخلاقية.
مفتن الذي اعتلى صهوة رياضة الانجاز في ظروف صعبة، وأوضاع ملتبسة، ورث تركة ثقيلة لمؤسسة رياضية فقدت مقومات العمل المنتج منذ زمن، ولم تعد قادرة على ممارسة دورها التاريخي بعد أن اصيبت بالعقم الرياضي، على امل عودتها مجددا من تحت الانقاض، لتحلق عاليا في افاق البطولات العربية والدولية.
ماذا تبقى من الشيخ؟
أن مبادرة اللجنة الأولمبية في احياء ذكرى الشيخ بعدسة سليم المبدعة تحرج المؤسسات الرسمية والرياضية، ولاسيما اتحاد كرة القدم، فمرة اخرى تمر ذكرى عمو بابا بصمت وخجل، لا يلتفت اليها احد، رغم ضجيج أيامه وصخب ألقابه ، فمالئ الدنيا وشاغل الناس بات حاشية في نص التاريخ، عقه تلاميذه، وجحدته المؤسسات الراعية للرياضة، ونسيه الاعلام بشكل غريب، لا يليق بذلك الكبير المضطجع خلف نصب الأسود، بعد أن دفن حيث أحب، ليكون الشعب شاهدا على بطولاته، لكن يبدو أن هذا الشاهد قد أصيب بالزهايمر مع أن الفراق لم يتجاوز اعواما طويلة.
هكذا هو حال عظيم الكرة العراقية وسفرها الخالد، فلا حفل تأبيني أو ندوات أو حتى جلسات صغيرة يعقدها العشاق والمحبون، يستذكرون فيها ايامه ويالها من ايام، فقد كان الشيخ نجما لامعا، وعلامة فارقة طبعت الحقب المختلفة، ولعل شهرته كلاعب فاقت سمعته كمدرب، لولا ظلم التاريخ وغياب الميديا، فلا قنوات فضائية تناقلت إبداعاته الكروية، ليظل تألقه أسير العراق، لا يبارح حدوده وآفاقه.
فهل نحن شعب ضعيف الذاكرة؟ أم كثرة المأسي في أرض السواد جعلتنا لا نحفل بصناع الانجاز، وننسى عظماء الوطن بمجرد الرحيل؟ أن تغاضي المؤسسات الرسمية والرياضية وتجاهلها بوعي أو بدونه لا يعفيها من اللوم والعتب، فهي لا تعير أهمية لرموز كبيرة دونت أنتصارات بأحرف من نور، لا يمكن أن تمحوها سوداوية التجاهل والنسيان.
لقد توالت الأزمان، وعصفت أعوامها العجاف ببلاد الرافدين، إلا أن عمو بابا ظل رمزا وطنيا خالدا لا يختلف على حبه العراقيين، مع اختلاف أطيافهم الدينية والعرقية والاثنية، وذلك ما تجلى اثناء وبعد مراسيم تشييعه حيث أقيمت له مجالس عزاء في معظم المحافظات، بكنائسها وجوامعها، في سابقة تحدث أول مرة لشخصية وطنية عاصرت عهودا مختلفة بكل تناقضاتها.
وعلى الرغم من الوعود الكثيرة والمبادرات الشخصية بعد مغادرة الشيخ بلا حقائب في رحلة الخلود، لم يترجم احد حياته، أو يحيى تراثه حفاظا على مجده التليد ، فقبره وتاريخه لا تزال تذروه الرياح ..لم يتحول بيته الى متحف، ولم تبادر مؤسسة الى لملمة أوراق حياته تخليدا لرمز كبير غيبه الموت والاهمال.
أتخيل الشيخ في ذكرى رحيله ساهرا في قبره ، واضعا رأسه بين رجليه ، يندب الحظ، ويلعن الجفاء وعدم الوفاء ، وهو يشاهد أبناءه العاقين ، لكن كم هو كثير لأنه وحده، وكم هم قلة لأنهم هامش في متن عطائه، ربما عزاءه أن شمسه التي سطعت ذات ربيع كروي بددت حجب الهزائم، وجعلت اسمه عنوانا، بل املا شرود، لمن يحلم باعادة العنفوان للذات العراقية، ولمجد وطن غاب نشيده الوطني عن منصات التتويج.
الزمان وعموبابا
في 29 تشرين لثاني 2008 بادرت الزمان في التفاته رائعة من الزميل رئيس التحرير أحمد عبد المجيد بالتوجه الى منزل شيخ المدربين في منطقة زيونة ..صحفيات وصحفيون حملوا كل مايلزم للاحتفال بعيد ميلاد عموبابا .. أوقدوا شموع المحبة لينيروا وحدته وهو في داره ..تفاجأ وجموع الزمان تجتاح خلوته تتغنى به وبانجازاته ..عبروا عن سعادتهم به.. وابدى سروره بهذا الاقتحام الجميل .. تكلم كل حاضر من الزمان بعبارات مطرزة بالامنيات والدعوات بالصحة والعمر الطويل .. قدموا بطاقات المحبة.. دون كل واحد منهم ما يجيش في صدره من مشاعر اتجاه هذا الرمز الوطني الكبير.
رئيس تحرير الزمان تحدث موجها حديثه الى عمو بابا باسم الصحافة العراقية بألقها وتوهجها .. بحجمها وتاريخها .. اكد ان العراق والعراقيين مدينين له بالأنجازات والافراح ..أشاد بحبه لوطنه العراق الذي رفض مغادره ارضه بالرغم من الدعوات والمغريات.. فالوطن كان كل شيئ لرجل افنى شبابه وشيبته يدافع عن الوانه وعلمه وترابه.
الزمان وعموبابا قصة حب لا تنتهي، فطالما افردت الصفحات ومساحات الورق تتغنى بانجازاته وبطولاته ، وعندما رحل خصصت عددا خاصا تحدث فيه رموز الرياضة والصحافة عن ايام الشيخ.. دبجت المقالات وشخصت الاعمدة وكتبت المواضيع وهي تصف رحيلا اشبه بالحضور في القلوب والافئدة .. ولم تنتهي الحكاية بعد الوداع، فقد كانت ذكراه دائما بين السطور، وفي العناوين والصور.
شموع المحبة
اطفأ الشيخ شموع المحبة، ولم يكن يعلم أن الزمان احتفلت بعيد ميلاده الاخير، فقد اسلم الروح في 27 أيار 2009 في أحد مستشفيات دهوك بعد نوبة سكري لتكون الجريدة اخر المحتفين بميلاد رجل عصي عن الرحيل، غيبه الموت، وخلده التاريخ ، لم يختلف عليه العراقيون، بالرغم من اختلافهم، وتمزق صفوفهم في تلك الايام.
وارى شيخ المدربين الثرى وتنفيذا لوصيته في ملعب الشعب الدولي، ذلك الصرح العتيق الذي يعد شاهدا على علاقة حب تواصلت بينه وبين الجماهير الرياضية عقودا عدة، بعد تشييع مهيب تقدمته الجوقة الموسيقية التابعة للجيش العراقي، ودفن جثمانه خلف نصب ابطال اسيا، وقد رافقته معشوقته المدورة، وزهرة بيضاء وضعتها طفلة برئية وسط حزن عميق ودموع المحبين، وحضور براعم مدرسته الكروية الذين ودعوا الناظر بحسرة، وهم يحملون يافطات الفراق الاخير.
سيرةمتفردة
ولد عمو بابا في 27 من شهر تشرين الثاني نوفمبر عام 1934 في بغداد، وخلال مسيرته الرياضية التي تجاوزت الـ58 عاما، كان بابا قد مثل المنتخب المدرسي سنة 1951 وعمره لايتجاوز الـ 17 عاما، وفي عام 1957 كان مع أول تشكيلة للمنتخب الوطني في أول ظهور رسمي للكرة العراقية خلال بطولة الدورة العربية في بيروت، ثم كان مع أول منتخب أولمبي سنة 1959 في تصفيات دورة روما الأولمبية، فيماكان اخر تواجد له مع المنتخب سنة 1967 في دورة معرض طرابلس.
عرف عمو بابا مدربا منذ عام 1972 عندما كان مساعدا لعادل بشير الذي قاد منتخب العراق في بطولة العالم العسكرية في بغداد. وكان عمو بابا مدرباً للعراق في دورة الالعاب الآسيوية عام 1978 ودورة مرديكا سنة 1981 ودورة الالعاب الآسيوية بالهند عام 1982 وبطولات الخليج الخامسة والسادسة والسابعة والتاسعة وتصفيات نهائيات الدورة الأولمبية في لوس أنجلوس وسيئول وبطولة الرئيس الكوري وكأس العرب الخامسة عام 1988، الى جانب تصفيات كأس العالم في اعوام 1990 و 1994 وتصفيات أمم آسيا 1996 ونهائيات آسيا للناشئين في عمان عام 2000 التي كانت آخر محطاته الرسمية مع المنتخبات الوطنية. وقاد عمو بابا المنتخبات العراقية في 158 مباراة دولية وهو رقم قياسي لم يحققه مدرب محلي أو اجنبي آخر.