حكم الكنيسة
كامل الدليمي
حين اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789، لم تكن موجهة ضد الملكية فقط، بل ضد هيمنة الكنيسة على الدولة والمجتمع. فقد مثّلت الكنيسة آنذاك قوة سياسية واقتصادية هائلة، تتحكم بالقرار وتفرض وصايتها على الناس باسم الدين. النتيجة كانت دولة عاجزة عن التطور، ومجتمعًا مثقلاً بالقيود الفكرية والاجتماعية.
وبسقوط هذا النفوذ، شُق الطريق أمام الحكم العلماني، الذي فصل الدين عن الدولة، وجعل السياسة شأناً بشرياً يقوم على القانون والدستور لا على الفتاوى والوصاية الدينية. كان ذلك التحول نقطة الانطلاق لبناء أوروبا الحديثة التي نعرفها اليوم.
لكن المفارقة المؤلمة أن الدول الغربية التي استفادت من فصل الدين عن الدولة، هي ذاتها التي تعمل في منطقتنا – وخاصة في العراق – على تشجيع الانقسامات الدينية والطائفية والقومية. بل وتدعم بشكل مباشر أو غير مباشر عودة الحكم الديني والطائفي في أنظمتنا السياسية.
هذا يعني أن ما عانت منه أوروبا لقرون من صراعات دينية دامية وحروب طائفية، يُراد اليوم أن يُعاد إنتاجه في العراق والمنطقة. الفرق أن أوروبا تجاوزت هذه المرحلة عبر التنوير والعقلانية، فيما يُدفع بنا نحن إلى البقاء أسرى لها، كي نظل ضعفاء وممزقين.
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه أوطاننا ليس الفقر ولا التخلف فقط، بل تسييس الدين وتوظيفه في السلطة. حينها يصبح الولاء للطائفة أو المذهب أو القومية أقوى من الولاء للوطن، وتصبح الدولة أداة بيد رجال الدين أو القوى الطائفية، فتُسحق العدالة، ويضيع صوت الشعب.
لذلك، فإن الدرس المستفاد من التجربة الأوروبية واضح:
• التقدم لا يتحقق إلا بـ دولة مدنية علمانية تحترم الدين لكنها لا تسمح له بالتحكم بالسياسة.
• الدين مكانه القلوب والمعابد، أما الدولة فمكانها الدستور والقانون.
وإلا فإن العراق والمنطقة مهددان بتكرار مآسي أوروبا في العصور المظلمة، لكن في زمن لم يعد فيه العالم يحتمل مزيدًا من الحروب الطائفية .