فاتح عبد السلام
حين يمضي أسبوع ولا أزور المكتبة العامة القريبة مني، اشعر بنقص واضح لا أعرف كيف أكمله. مرات كثيرة لا ازور المكتبة من اجل كتاب بعينه، أحيانا اجلس وسط رفوف الكتب من حولي، فينتابني شعور بالثقة والحماية والانتماء، فهذا هو موطني الصغير الذاتي الذي لا أهجره ابداً.
وأحياناً ارغب في تصفح عناوين الكتب وتصاميم أغلفتها والاطلاع على قائمة اخر إصدارات في الشهر الأخير الذي اعتادت المكتبات العامة ان تعرض في واجهات خاصة نسخا منها.
انّ ذلك كله أمر ذاتي قد لا يعني أحداً. غير أنّ الذي وجدته في المكتبات لافتاً، هو ما نحتاجه في بلدنا اليوم من توثيق مكاني وزماني للشخصيات والاحداث والامكنة. في كل ركن هناك لوحة كبيرة بخط كبير نسبيا تحك جانبا من قصص امكنة تخص المكتبة ذاتها، او ما يحيط بها. هناك مبنى كان في مكان هذه المكتبة قبل الحرب العالمية الثانية لكنه تهدم وقام مكانه مبنى جديد. وهناك محكمة بناها برلماني بريطاني قديم ورجل مصرفي في ذات الوقت غادر الى فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى وقتل هناك، وبيع المبنى وتحول الى مقار مختلفة لمؤسسات حتى استقر بشكل مدرسة دولية منذ العام 1977. هذه امثلة لتحفيز ذاكرتنا على توثيق الاحداق المرتبطة بالأماكن والمدن والدخول في تفاصيل الشوارع والمدارس القديمة والمباني التراثية التي شهدت أنواعا من الأنشطة والوظائف في خلال مائة عام ، أي منذ قيام الدولة العراقية ، لكن الموانع السياسية تجعلنا نمحو أي اثر لحقبة سياسية لا تتوافق مع حقبتنا وافكارنا اليوم ، لذلك يبدو ارثا في الدولة العراقية مهلهلا وبسيطا وعموميا ، رفي حين ان لكل مقهى في مدينة او حي سكني إمكانية ان يوثق بالصور والنصوص تاريخ المكان وابرز ما جاد به الزمان بغض النظر ان اتفقنا او اختلفنا معه.
أحيانا، نمر بمقهى كانت معقلا للشيوعيين او القوميين او للبعثيين في البصرة او الموصل او الكرادة ببغداد في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لكن لا توجد صورة واحدة لشخصية كان لها اثر في ذلك المكان. حتى التوثيق الاجتماعي والثقافي والرياضي للشخصيات والاحداث نفتقده، هناك محلات سكنية نجهل من كان فيها مختارا قبل خمسين او ستين سنة، وليس له مكان الا في ذاكرة شيابنا او بعض المحفوظات في البيوت او في كتب قليلة جدا وشبه نادرة.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية