الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬28‭)‬

بواسطة azzaman

الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬28‭)‬

حسن‭ ‬النواب

 

كأنَّ‭ ‬عراقيل‭ ‬زواج‭ ‬صديقي‭ ‬الغجري‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬فرادى‭ ‬على‭ ‬رأسه؛‭ ‬ما‭ ‬صدَّق‭ ‬نجاحه‭ ‬بتلبية‭ ‬طلبات‭ ‬أم‭ ‬العروس‭ ‬حتى‭ ‬ظهرت‭ ‬أمامه‭ ‬عقبة‭ ‬كأداء‭ ‬كادت‭ ‬تطيح‭ ‬بمشروع‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬جذوره؛‭ ‬إذْ‭ ‬طلبت‭ ‬منهُ‭ ‬محكمة‭ ‬البصرة‭ ‬كتاب‭ ‬يؤيد‭ ‬عدم‭ ‬ارتكابه‭ ‬جريمة‭ ‬الهروب‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬إنجاز‭ ‬عقد‭ ‬الزواج‭ ‬أمام‭ ‬القاضي؛‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬الانتقامي‭ ‬قد‭ ‬وضعه‭ ‬الطاغية‭ ‬أمام‭ ‬الجنود‭ ‬الذي‭ ‬فرّوا‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬لغلق‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬أحلامهم‭ ‬وأمنياتهم‭ ‬ولتدمير‭ ‬حياتهم‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬مقابلة‭ ‬رعد‭ ‬بندر‭ ‬رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬وطرح‭ ‬مشكلته‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬عادت‭ ‬المياه‭ ‬إلى‭ ‬مجاريها‭ ‬بينهما؛‭ ‬والحق‭ ‬أنَّ‭ ‬بندر‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المتحمسين‭ ‬لمشروع‭ ‬زواج‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬وقد‭ ‬طوى‭ ‬ذلك‭ ‬الشجار‭ ‬العنيف‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬بينهما‭ ‬خلف‭ ‬ظهره‭ ‬وأصدر‭ ‬كتاب‭ ‬تأييد‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬بوصف‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء؛‭ ‬وبذلك‭ ‬أنجز‭ ‬قرانه‭ ‬من‭ ‬الفتاة‭ ‬البصرية؛‭ ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬رعد‭ ‬بندر‭ ‬بذلك؛‭ ‬بل‭ ‬وعده‭ ‬بحجز‭ ‬ليلتين‭ ‬مع‭ ‬عروسته‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬السدير‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الاتحاد‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬هذا‭ ‬الزواج؛‭ ‬وقد‭ ‬أوفى‭ ‬بوعده‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬أجرى‭ ‬خالد‭ ‬مطلك‭ ‬لقاءً‭ ‬مطوَّلاً‭ ‬مع‭ ‬رعد‭ ‬بندر‭ ‬على‭ ‬الصفحة‭ ‬الثقافية‭ ‬لجريدة‭ ‬الجمهورية‭ ‬ومن‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬عليه‭ ‬إعطاء‭ ‬رأيه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء؛‭ ‬وحين‭ ‬سألهُ‭ ‬عن‭ ‬صديق‭ ‬الغجري؛‭ ‬كانت‭ ‬إجابة‭ ‬بندر‭ ‬صريحة‭ ‬وبلا‭ ‬أحقاد‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬هذا‭ ‬شاعر‭ ‬كبير؛‭ ‬وأخشى‭ ‬أنَّ‭ ‬صعلكته‭ ‬وتمرَّده‭ ‬سيقضيان‭ ‬عليه‭.  ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الزفاف‭ ‬رنَّ‭ ‬هاتف‭ ‬المنزل‭ ‬وكان‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬ارتداء‭ ‬بدلة‭ ‬العرس‭ ‬التي‭ ‬استعارها‭ ‬مع‭ ‬الحذاء‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أصدقاء‭ ‬مدينته،‭ ‬جاءه‭ ‬النبأ‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭:‬

‭- ‬إنَّ‭ ‬الشاعر‭ ‬حميد‭ ‬سعيد‭ ‬مع‭ ‬ولده‭ ‬مصعب‭ ‬حضرا‭ ‬لزفافك‭.‬

ترك‭ ‬سمّاعة‭ ‬الهاتف‭ ‬تتأرجح‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬وقلبه‭ ‬يدقُّ‭ ‬مثل‭ ‬طبل‭ ‬في‭ ‬عرس‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬الفرح؛‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬مبادرة‭ ‬رائعة‭ ‬من‭ ‬شاعر‭ ‬طفولة‭ ‬الماء‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬بغداد‭ ‬لحضور‭ ‬حفلة‭ ‬زواجه،‭ ‬مستبعداً‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬أنْ‭ ‬يهديه‭ ‬بعض‭ ‬المال‭ ‬بسبب‭ ‬الحصار‭ ‬الذي‭ ‬شلَّ‭ ‬مدخولات‭ ‬الجميع‭ ‬والظروف‭ ‬المرتبكة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬تلك‭ ‬الأيام؛‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬جرَّده‭ ‬مكتب‭ ‬الثقافة‭ ‬القومي‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬كرئيس‭ ‬تحرير‭ ‬لجريدة‭ ‬الثورة؛‭ ‬مما‭ ‬ترك‭ ‬وضعه‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بحالة‭ ‬حرجة؛‭ ‬وقد‭ ‬أجبرته‭ ‬الحاجة‭ ‬على‭ ‬بيع‭ ‬مقتنيات‭ ‬عزيزة‭ ‬من‭ ‬داره‭ ‬بسبب‭ ‬الضنك،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬وصول‭ ‬الشاعر‭ ‬حميد‭ ‬سعيد‭ ‬إلى‭ ‬كربلاء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬بالأمر‭ ‬اليسير؛‭ ‬فثمن‭ ‬الوقود‭ ‬الذي‭ ‬اشتراه‭ ‬إلى‭ ‬مركبته‭ ‬حتى‭ ‬يحضر‭ ‬زفاف‭ ‬صديق‭ ‬الغجري؛‭ ‬كان‭ ‬نتيجة‭ ‬بيعه‭ ‬إلى‭ ‬مسبحة‭ ‬عزيزة‭ ‬على‭ ‬قلبه‭.  ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬عرسه‭ ‬طرق‭ ‬باب‭ ‬منزل‭ ‬أخته‭ ‬صديقه‭ ‬الناقد‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬النصراوي‭ ‬طالباً‭ ‬منه‭ ‬إرجاع‭ ‬الحذاء؛‭ ‬إذْ‭ ‬كان‭ ‬النصراوي‭ ‬يبيع‭ ‬أحذية‭ ‬رخيصة‭ ‬الثمن‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬العباس؛‭ ‬وقد‭ ‬حضر‭ ‬لأنَّ‭ ‬مدة‭ ‬استعارة‭ ‬الحذاء‭ ‬قد‭ ‬انتهت؛‭ ‬ولذا‭ ‬وضع‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬بمأزق‭ ‬لا‭ ‬يحسد‭ ‬عليه؛‭ ‬فطلب‭ ‬إمهاله‭ ‬ليومين‭ ‬إذْ‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬اختفاء‭ ‬الحذاء‭ ‬أمام‭ ‬عروسه‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬زواجهما؛‭ ‬لكنَّ‭ ‬النصراوي‭ ‬ظلَّ‭ ‬نابتاً‭ ‬في‭ ‬الباب‭ ‬مثل‭ ‬سنديان‭ ‬وأصر‭ ‬على‭ ‬استلامه‭. ‬دخل‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬مثل‭ ‬مهزوم‭ ‬والتقط‭ ‬الحذاء‭ ‬فسألتهُ‭ ‬العروس‭ ‬مندهشة‭:‬

‭- ‬هل‭ ‬ستعطي‭ ‬حذاءك‭ ‬إلى‭ ‬صديقك؟

كاد‭ ‬يغمى‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬الحرج؛‭ ‬لكنَّ‭ ‬الله‭ ‬ألهمهُ‭ ‬بجواب‭ ‬مقنع‭:‬

‭- ‬صديقي‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الزواج‭ ‬واحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حذائي‭.‬

لقد‭ ‬أفرحها‭ ‬جوابه‭ ‬وأثنتْ‭ ‬على‭ ‬طيبة‭ ‬قلبه‭ ‬وسخائه؛‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تعلم‭ ‬إنَّما‭ ‬زوجها‭ ‬استعار‭ ‬الحذاء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬وإلاَّ‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ظهر‭ ‬أمامها‭ ‬حافي‭ ‬القدمين‭ ‬ليلة‭ ‬العرس‭. ‬ما‭ ‬أن‭ ‬انقضى‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬إقامته‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أخته‭ ‬حتى‭ ‬شعر‭ ‬بثقل‭ ‬وجوده‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬حساسيته‭ ‬ورهافة‭ ‬مشاعره؛‭ ‬إذْ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مرتبه‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬العراق‭ ‬يكفي‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬الفاحش؛‭ ‬ولذا‭ ‬قرر‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬الأردن‭ ‬أسوةً‭ ‬بالأدباء‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬دعوات‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬رابطة‭ ‬الكتاب‭ ‬الأردنيين؛‭ ‬لكن‭ ‬رعد‭ ‬بندر‭ ‬اعترض‭ ‬بشدَّة‭ ‬على‭ ‬ترويج‭ ‬معاملة‭ ‬سفره‭ ‬وقال‭ ‬للحاضرين‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بالحرف‭ ‬الواحد‭:‬

‭- ‬إذا‭ ‬تركنا‭ ‬هذا‭ ‬الصعلوك‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬سيفضحنا‭.‬


مشاهدات 239
الكاتب حسن‭ ‬النواب
أضيف 2024/09/02 - 10:33 PM
آخر تحديث 2024/11/25 - 3:57 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 370 الشهر 10750 الكلي 10053894
الوقت الآن
الإثنين 2024/11/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير