فاتح عبد السلام
عندما يقف محافظ “البصرة”، بكل ما تعنيه هذه المدينة العظيمة من قيمة بشرية وتنموية وتاريخية ووطنية ليعلن انّ الفرق المكلفة اجراء التعداد السكاني العام في قضاء “الزبير” على سبيل المثال، تركت العمل ولم تنجزه، فهذا يعني انّ عشرات الاف العراقيين هناك لم يدخلوا في الإحصاء السكاني، وليس لهم وجود في الدفتر الحكومي الرسمي ، وهنا يتضح الخلل الهائل في داخل العملية الإحصائية وآلياتها، وانّ الخلل ليس محصوراً في التخلف عن إحصاء العراقيين في الخارج . ويوحي كلام المحافظ، وهو أعلى سلطة في نطاقه الإداري بأنّ هناك سلطات أخرى تتحمل التقصير، ولا تعود اليه في تسلسلات محاسبتها.
هنا لدينا محافظ جريء وعلى قدر من المسؤولية المهنية والأخلاقية وقام علناً بتشخيص خلل كبير، وفنّد الحجج الباطلة التي ساقتها فرق الإحصاء التي ينبغي في الأصل ألا تبرر أيّ تقصير لأنها مكلفة بالواجب الوطني الكبير وتحت يدها إمكانات كبيرة، ولا بديل عنها في تدارك الإهمال في هذا العمل. لكن كيف الحال في أماكن ومحافظات ووحدات إدارية أخرى سكت المحافظون والمسؤولون عن الخلل بحكم التوافقات السياسية والمصالح المعروفة؟
وبعد ذلك، كيف يمكن التسليم بصحة التعداد العام للسكان ودوره في رسم السياسيات التنموية والتنظيمية الشاملة للبلد لعقد من الزمان في الحد الأدنى؟
التعداد السكاني مهمة وطنية كبيرة لا تقل عن أي واجب وطني يكون التقصير فيه تخاذلا وخيانة للأمانة، لذلك لا يمكن ان يسكت وزير «التخطيط» المكلف المختص بالمهمة، او أن يبرر لجهازه التنفيذي المقصّر وغير المتابع.
أي دور رقابي، ولم نرَ في اليوم العظيم، الوزير المختص ينتقل من محافظة الى أخرى ليزور أربع او خمس محافظات في يوم التعداد، وان تكون زياراته الى مراكز اقضية ونواح وليس مجالس المحافظات الدافئة؟
انّها ليست مخالفات انتخابية معتادة يمكن غض النظر عنها في صناديق الاقتراع او عدد الأصوات، هذه امانة في جزء أساس من المهمة الوطنية.
هنا يبرز دور «القضاء» ليكون الجهة التي تستقبل مظلومية وطن كامل هذه المرة تعرض للغبن في بياناته الإحصائية التي ستدخل في تفاصيل لقمة عيشه وقواه العاملة واحلام اطفاله في السنوات المقبلة، انها حقاً مظلومية ملايين غبنوا في حقهم المشروع وغيبوا قسراً عن التسجيل الاحصائي تحت ادارة موظفين مقصرين سواء كان على رأسهم وزير او مدير او غفير، وانه يجب ان يساق المقصرون لدورهم في اظهار صورة ناقصة عن الوضع البشري والنووي للعراقيين الى محاكم عادلة ، تتعامل معهم كخونة للأمانة الوطنية، وجرمهم لا يقل عمّن يفرط بتراب البلد.