التغريبة
وجيه عباس
آناءِ ليلِكَ وانتصافِ نهارِكْ
دعني المُّ ظلالَها بدثارِكْ
أوقدْ قميصَكَ في عمايَ لعلَّني
فيها أكحِّلُ مقلتي بغبارِكْ
وَتَوقَّ أنفاسي عليكَ لأنَّها
ورثتْ طلائعَ جمرِها من نارِكْ
أنا أنتَ لولا أن تقولَ: من الذي
وقفتْ به الأقدامُ دونَ جدارِكْ؟
ولأنتَ كنتَ معي ونطرقُ بابَهُ
عجباً، فمن أبقيتَهُ في دارِكْ!
أنا فيك أرتكب اليقين مظنَّةً
وأؤثثُ الجدرانَ من أفكارِكْ
وأجرُّ معنى أن أكونَ بكأسِها
ماءاً يفيض من الخطى بجرارِكْ
أنا صوتُ نايِك لو يسيلُ مواجعاً
سكبَ الغناءَ على صدى مزمارِكْ
وكأنَّما كان الصليبُ جناحَهُ
ودمي على الألواحِ في مسمارِكْ
وتمازجُ الألوانِ فيك غَمامةٌ
أمطرتُها، وأصابعي بجوارِكْ
الآن وحدي يستغيثُ ولايرى
إلا ارتحالَ خطاكَ في تذكارِكْ
ياكلُّني الإصغاءُ دون حوارِكْ
هبني لما أبقيتَ من أسرارِكْ
قيدَ انتظارِكَ مقلتانِ ووحشةٌ
فبأي أنملةٍ أجيء بنارِكْ؟
الليلُ أعمته الأصابعُ، والمدى
قلقٌ، ومغزلُ وقتِهِ بإزارِكْ
أنا فيك أوقدُ شمس نفسي باحثاً
عني، وأنت مُغيَّبٌ بإطارِكْ
كان الدوارُ يحور حولَك عارفاً
إني سأغرقُ في الرحى بدوارِكْ
الربح فيك خسارةٌ ورضيتُها
من ذا يقايضُ ربحَهُ بخسارِكْ؟
أنا فيك أنظر في المرايا، لا أرى
إلا سماءاً سقفُها في غارِكْ
كنْ كيفما انزلقتْ أصابعُ مائها
جسَّتْ بها وَجَعاً على قيثارِكْ
مابين رفضِكَ عالمٌ تحيا به
أو موتُ لحنِك في يدي أوتارِكْ
هل كنت تنصرُهُ هناك، وحسبُهُ
أن كانَ، وهو اليتمُ، من أنصارِكْ
لامنقذاً لسواك تُصلحُ مؤمناً
بينا يراكَ الناسُ من كفّارِكْ
هي لعنة المعنى وعارُ عيونها
أنْ لاذ بالمعنى مخافةَ عارِكْ
كنت الضمين بِعَوْدِها لكنما
فرّتْ إليك تأسّياً بفرارِكْ
أنت المُضيَّعُ ذاهباً أو آيباً
فأختر بأيهما تعود لدارِكْ
لا وجهَ فيكَ، كأنَّ ظلَّك مفردٌ
والجمعُ فيك مشتَّتٌ بِمَدارِكْ
طافت عليك الموحشاتُ لوحدِها
ويمينُ مادارت بها ليسارِكْ
الآن يُمتَحَنُ الضميرُ غضاضةً
ونبيُّ ما أوحيت في إبحارِكْ
قد كنتَ....لكنَّ الرحيل طوى بها
ذاك المساف وأنت في أطوارِكْ
وتكاد تنكرُ ما أتيتَ وطالما
كنت المُعرَّفَ في مدى إنكارِكْ
العارُ أن ترضى تهافتَ مجدِها
والمجدُ أن ترضى هناك بعارِك!
الآن وحدُكَ تستفيقُ بسكرةٍ
وترى السكارى صُرَّعاً بخمارك
الآن آثرت البقاء فريضةً
فلأنَّ هذا البوحُ في أسوارِكْ
في معصميك سوارُه ولعلَّهُ
لوجاءَ كان مقيَّداً بسوارِكْ
لوجاء معنى أن يكونك ثانياً
أو كنتَه المعنى على إضمارِكْ
ها أنت تسبقُك الظلالُ مسافةً
وتعيرُها المضنونَ من أشعارِكْ
ولأنت قافيةٌ وبحرٌ لم يزلْ
يَتَقولُ الغرباتِ بينَ ديارِكْ
أنا في يديك الآن أبحثُ عن غدٍ
وأساقط الأعداد من أصفارِكْ
خلفي الجهاتُ تركتها، وأتيت فيك
أجوبُ بحثاً عن جنوبِ سمارِكْ
قمحٌ، رغيفي كنتَ في زوّادتي
ظمئي غيومٌ كُنَّ من أمطارِكْ
ولعلَّني فيها أمسُّكَ بالخطى
فأسير نحوَك في خطى آثارِكْ
ولإنَّ مابي أحجياتٌ ثرَّةٌ
فلأنها حَجَبَتك في أستارِكْ
هبني ثمالة ماتركت على الثرى
أني أجيؤك مثقلاً بثمارِكْ
هدلت ثيابي فرطَ ماحَمَّلتَها
وتشبَّثتْ بيديك أو زُنّارِكْ
أَمِنَ العدالة أن يُحكَّم ظالمٌ
وبأن تسبِّحَ في يدي جزّارِكْ؟!
ودماك من فيها يؤذِّنُ بالذي
كانوا بهديَ دماك من ثوّارِكْ
وبأن تكون هناك نهباً للظُبا
ووضوؤها أن تستفيض بنارِكْ
يا أيها الموجوعُ حدَّ تخارست
فيك الشفاهُ على صدى إجهارِكْ
كنتَ السكينةَ في ثيابِكَ إنَّما
خانتك بعضُ خطاك دون حصارِكْ
دعها إلى معنى سواه يقيلُها
خذ أنت ماتعطي سواك.... بثارِكْ