منهجية اذلال المواطن
هاشم حسن التميمي
فشلت حكوماتنا المتعاقبة ان ترسخ في انشطتها وتطبيق قوانينها سياسة احترام المواطن والعمل على خدمته وليس التفضل عليه واهانته عبر اليات للمراجعة تنظر اليه بصفته مزورا وخارجا عن القانون وليس صاحب حق والموظف وجد لخدمته وليس لاذلاله والتكبر عليه. ان هذه السياسة تعبر عن ثقافة منحرفة وتخلف في منظومة قيم الموظف ومرؤسيه وعجز السلطات من نشر مفهوم المواطنة ودولة الرفاهية والخدمات واعتبار المواطن قيمة عليا…ولعل من العوامل التي اشاعت سياسة الاذلال نقص تعليم الموظفين على الرغم من حصولهم على شهادات البكلوريوس باختصاصات مختلفة بل الماجستير والدكتوراه ولم يكن لها اي اثر في تحسين الاداء. وسلوك التعامل وتطبيقات اخلاقيات المهنة وافكار مبادىء المواطنة خاصة تلك الشهادات التي انتزعت في العقدين الاخيرين بدون ضوابط او معايير للجودة العلمية فضلا عن سياسة المحاصصة التي تنصب وزراء ووكلاء ودرجات خاصة بدون تاهيل او ثقافة وتاهيلها الوحيد الولاء لاحزابها ومافياتها وقدرتها لتجنيد ما بامرتهم من دوائر وهيئات حكومية لمصلحة احزابهم واختلاس المال العام لمصالحهم.
ومن العوامل الاخرى التي تؤدي لاهانة المواطن سياسة المحسوبية والمنسوبية والواسطات والرشا والتعاطي مع شبكات المفسدين ففي كل دائرة شلة من المعقبين تمتد ارتباطاتهم لقمة الهرم الاداري في المرور واجهزة الداخلية الاخرى والكمارك والضريبة والاجهزة الامنية وحتى الرئاسات وتعمل هذه الشبكات لترويج ملفات فاسدة لاستحصال مليارات الدنانير او الدولارات فبدلا من اثراء خزينة الدولة يتم اثراء جيوب المفسدين والمزورين…وحتى ردرد الفعل تنعكس على اذلال المواطن وتركه في طوابير طويلة واليات تدقيق للتظاهر بالحرص والامانة بينما المرتشين يتعاملون من تحت المنضدة بل يدخلون من اوسع الابواب دون خوف او خحل ولكل شىء ثمنه والامر يتعاظم رغم جهود هيئة النزاهة بملاحقتهم وهذه اللوبيات تمتد شبكاتها حتى للقضاء وتستميل بعض المنحرفين لتحرير اللصوص واخراجهم من اكبر الجرائم مثل اخراج الشعرة من العحين كما يقولون..!
ومازلت الحكومة تعلن انها شرعت بالتحول الرقمي وانشاء حكومة الكترونية ذكية تقطع الطريق على المتلاعبين لكن واقع الحال ان هذا التحول مجرد تصريحات وانفاق مليارات لعقود شراء الاجهزة والايفادات وهي بالاساس سفرات للتسوق والسياحة والدليل ان دوائرنا مازالت تقليدية تبدأ من ( العرضحلجي) وتصل للحجي المدير العام او السيد الوزير والعلوية بنت الرسول…!
وخلاصة القول ان رفع الظلم عن المواطن لايتم بالشعارات بل بتغيير حقيقي لفلسفة الدولة والغاء المحاصصة وترصين التربية والتعليم واعتماد سياسة الاداء بدلا من الولاء واشاعة ثقافة المواطنة في المجتمع وبغير ذلك ستبقى ظاهرة ( مذلون مهانون)الى حيث يشاء الله او تستيقظ الجماهير .ومن يريد المزيد عن هذه الظاهرة سيجد وصفها الدقيق و صورتها في رواية عملاق الادب الروسي دوستوفيسكي الصادرة بذات العنوان عام 1861 وتتحدث الرواية( عن قدرة الآخرين ذوي المال والسلطة على التحكم في مستقبل الآخرين وحياتهم وتصرفاتهم، وتُركّز على حالة الذل والمهانة التي يعيشها الإنسان، واستعداده لتقبل تلك المهانات الواحدة تلو الأخرى، بل ويُمكن أن يروّض كذلك على قبول المهانة )…وفعلا بعد ان مرت احداث ثورة تشرين واستعادت السلطات مخالبها نجحت في ترويض الناس وجعلتهم يقتنعون بفتات موائد اللصوص واكتفوا بحريتهم في لطم الخدود والنواح وجلد الذات والبحث عن يزيد للانتقام منه وترك الف يزيد يقتلهم كل يوم ويجوع مليون حسين..! وحين تتبول رموز الحكومة والبرلمان على رؤوس الناس تصور وسائل الاعلام والتواصل ان ذلك هو المطر ويسارع البعض من رحال الدين بوصفه بركة واستجابة من الله لدعوات المؤمنين ويبادر البرلمان لاشغال الناس عن مذابح غزة وفساد النظام للترويج لقانون يسمح باغتصاب الاطفال من الاناث دون التاسعة وتكريس الطائفية وتمزيق الهوية الوطنية باسم الدين وهي جريمة بشعة تشوه قيم الاسلام وتكرس مفهوم اذلال المراة في العصر الرقمي فتبا لكل عمامة تروج لذلك. وتبا لمن سيمرر هذا التعديل المشبوه.