أول حوار مع مطبوعة عراقية .. الوزير الثلاثي والعين سمير حباشنة لـ (الزمان):
عندما عاد الملك الحسين من الخارج شهد الأردن التهدئة وتحقّق الميثاق الوطني بعد هبة نيسان
بدأت بالثقافة وإنتهيت عيناً وسط ظروف إقليمية صعبة ومعقّدة
بغداد في قلبي لانها منحت العرب هويتهم القومية
الاردن ينوء بأعباء داخلية وخارجية وعلى العرب ان يلملموا اشلاءهم
اسرائيل تسرق مياه الاردن وسوريا والعراق ومصر وربع مليون لاجئ سوري اضطرنا لشراء المياه من العدو
بفضل غزة انتصرت السردية الفلسطينية على سردية الصهاينة
عندما عاد الملك الحسين من الخارج شهد الاردن التهدئة وتحقق الميثاق الوطني بعد هبة نيسان
بفضل عبقرية الملك الحسين تمت المصالحة بين النظامين السياسي والحزبي وانخرطت التلاوين الاردنية في حكومة وحدة
الملك عبد الله شخصية عملية ودودة ومتواضعة وتكره التنظير
أحمد عبد المجيد
من النادر ان يدخل مسؤول عربي رفيع ، قلوبنا دون استئذان ،والوزير والعين الاردني سمير حباشنة ، واحد من هذه الندرة، فهو اذا تحدث صدق واذا صمت تألق .يتحدث اليك او يبادلك الرؤى فتشعر كأنه من اهل بيتك ،وتستأنسه فيبدو حاضراً لا يبرح خاطرك. وقبل ان تتاح لي فرصة الحوار الصحفي معه في بغداد ، التي يزورها حاملاً ذكريات شبابه وبراءته الفكرية ابان الدراسة بكلية الزراعة في جامعة بغداد ،إلتقيته في عمان وتكرر اللقاء معه مرتين في العراق ، ووجدته قريباً الى تطلعات هويتي لصيقاً بهموم أمتي، فهو أردني الجنسية، لكنه مواطن عابر للحدود ، جامع غير مفرق.
وقلت في نفسي أخيرا ،ان الرجل جدير بإشغاله ثلاث حقائب وزارية، في عهدي الملكين الحسين بن طلال رحمه الله ونجله الملك عبد الله الثاني، كما التقطت الاسباب التي جعلت حباشنة صديقاً للملكين جديراً بإحترامهما .
• (الزمان) أجرت هذا الحوار مع الوزير والعين سمير حباشنة في أول اطلالة صحفية له مع مطبوعة عراقية ، وفيما يلي نص الحوار :
معالي الاستاذ حباشنة.. تعددت المواقع الوزارية التي تبوأتها في الاردن ، الثقافة والزراعة والداخلية..ما المشتركات بينها؟
- اولاً أشكر جريدة (الزمان) وصديقي الاستاذ أحمد عبد المجيد على هذه الفسحة التي أتحدث بها مع قراء جريدة غراء ومحترمة ثبتت اقدامها بزمن قياسي في بلادنا العربية، وثانياً ان أول حقيبة وزارية شغلتها كانت الثقافة وقد زارنا الصحفي المصري المرحوم محمود مراد وكان نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام وسأل الامير زيد بن شاكر رحمة الله عليه ،الذي كان رئيسا للوزراء ،كيف تعين مهندساً زراعياً وزيرا للثقافة فقال، مداعبا أننا أزلنا الأجري وأبقينا على الكالتشار. فعندما تدقق في كلمة الزراعة تجد أنها كانت ثقافة وبالتالي ثقافات الشعوب أو زراعات الشعوب، تختلف من ثقافة إلى أخرى، فحقيقة أشغلت هذا الموقع بتكليف من رئيس الوزراء ومن الملك حسين الذي كنت قد تعرفت عليه عبر لجنة الميثاق الوطني وما بعدها. يعني افخر في وزارة الثقافة، على قصر المدة، انني قد وضعت اذا جاز التعبير استراتيجية للعمل الثقافي، واشتقاق للثقافة العربية فيما يتعلق بالاردن. وقد نشطت كافة الابداعات الثقافية بصنوفها المختلفة، وايضا كان لي شرف ان سجلت نقابة للفنانين، في فترتي وتأمين صحي مؤقت. لأنه لم يكن لديهم تأمين صحي آنذلك، وأبرمت اتفاقات عدد مع الأشقاء العرب للربط والتقارب الثقافي، لأنني أعتقد بأنه في ظل التجزئة الرهيبة التي طال امدها نحن ندخل في المئوية الثانية كعرب مجزئين واصبحت هناك حدود وأصبحت هناك دول وقوانين وأنظمة مختلفة وأنظمة حكم مختلفة أيضا، وأصبحت هناك اقتصادات ومصالح اقتصادية قد تتعارض أحيانا أو لا تتماثل أو لا تتكامل.
لم يبق لدينا إلا عنصر الثقافة ،عامل الثقافة هوالوحيد المتبقي بما يحمل من إرثنا الحضاري كعرب ولغتنا المجيدة، لغة القرآن الكريم وأيضا عاداتنا وتقاليدنا وكل ما يتعلق بالنفسية العربية والإداء العربي والمسلك العربي ،هو ما تبقى لنا. أنا أعتقد بأنه يجب احياء هذا الامر في البلد الواحد وبنفس الوقت يجب التشبيك. التشبيك بين الدول العربية في الاطار الثقافي، ليكون لدينا تطور وعطاء متماثل يسير جنبا إلى جنب في كافة الأقطار العربية.
لا نريد أن نفقد عامل الثقافة لأننا إذا فقدناه أو إذا ضعف وتوارى عن المشهد، فأنا أعتقد بأن التجزئة سوف يكون لها فعل سلبي كبير في حياتنا العربية.
يعني أعتقد بأن وزارات الثقافة في الوطن العربي يمكن أن تكون وزارات سيادية ويمكن لوزراء الثقافة العرب أن يكثفوا من حضورهم ويكثفوا تبادل خبراتنا وتبادل نشاطاتنا وإكثار المسابقات والجوائز في صنوف الثقافة العربية على اختلافها، من شعر ورواية وقصة قصيرة ومسرح وفن تشكيلي لنبقي على حالة الإدماج الثقافي بين شبيبتنا.
أنا أخشى أن التجزئة وإن طال أمدها، لن يكون عائق لها لأن تستشري وتدخل في عمق النفس العربية إذا تمكنا من الحفاظ على وحدة الثقافة العربية، ولا مانع أن يكون هناك اشتقاقات في كل قطر، ولكنها اشتقاقات منبثقة من مظلة رئيسة ومظلة متماسكة ومظلة تنسيق دائم. دعوتي لوزراء الثقافة العرب أن يكثفوا من لقاءاتهم وأن يفسحوا المجال واسعا للمبدع العربي في الصنوف المختلفة وأن يكونوا على تواصل ولقاء دائم.
وماذا اضافت لك تجربة وزارة الزراعة؟ وما الفلسفة التي تحملها ازاء هذا الرافد الاقتصادي للعرب؟
- في ما يتعلق بوزارة الزراعة فأنا خلفيتي مهندس زراعي ولي شرف أنني خريج جامعة بغداد عندما كانت كلية الزراعة في أبو غريب وعلمت أنها قد عادت الآن مرة أخرى إلى أبو غريب، ولا تتخيل أستاذ أحمد، الأثر النفسي والفكري والانطباعي العميق في روحي تأثرا في العراق وتأثرا في بغداد وتأثرا في أبو غريب، كجزء أو نموذج للريف العربي باشتقاقه أو بشكله العراقي، أن فترة دراستي في بغداد التي استمرت ثلاث سنوات، كوني درست المرحلة الأولى في حلب في سوريا كانت فترة أبو غريب بالنسبة لي مرحلة إعداد فالى جانب الدراسة كان لأبو غريب ،الفضاء المفتوح ،الغابة من النخيل على مد النظر، فترة تأمل وراحة نفسية شديدة. كان يذهب أغلب الشباب في نهاية الأسبوع إلى بغداد، كما تعلم يسمونها الونسة يذهبوا ليتونسوا في بغداد ،أنا أبقى في أبو غريب أبقى مع نخيل أبو غريب ومع صوت عصافير أبو غريب ومع صوت الصفير في المساء وهي تذهب الى اوكارها، مع جوها الساحر وخصوصا في فصل الشتاء امر على مزارعها وعلى تخصصات الكلية المختلفة، أمر على إسكانات الدكاترة، أجلس في مقصف الكلية وفي أحيان كثيرة في ليلة العطلة أجلس وحدي أسمع المقام العراقي، وربما اغنية جميلة ايضا عربية اخرى، واستمع الى نشرة الاخبار، والتلفزيون دائما ما ينقلنا الى صفحات من الحياة العراقية على اختلافها. وكانت هذه الفترة فترة إعداد، كما ذكرت فكري أيضا إلى جانب اهتمامي بدراستي، فربما كنت أنجز إلى جانب دراستي كل أسبوعين،قراءة كتاب فكري وسياسي ولدي راديو ترانزيستر اسمع آخر الأخبار وفي فترتها أيضا دخلت في رياضة التنس الأرضي وكنت اعتبر من الرواد، كونها في عام 1973 دخلت الرياضة إلى كلية الزراعة ومدربتنا أذكرها بالخير اسمها تونس، يعني حتى كان في أبو غريب المغرب العربي موجود، عبر اسم مدربتنا تونس.
كان في أبو غريب أساتذة من كل الوطن العربي وكان العراق في منتصف السبعينات في ذروة نشاطه بعد تأميم النفط والمال الوفير والخطط الانفجارية أتوا بكل العلماء العرب من خارج العراق بحوافز غير عادية، لذلك كان لدينا المعلم إلى الجانب العراقي الدكتور السوري والمصري والمغاربي ،كنا ندرس في إطار الأمة العربية في إطار العرب دكتور سامرائي ودكتور بوداغ رحمة الله عليهما دكتور سمير عميد الكلية ودكتور خليل عبد العزيز وكيل الكلية والأستاذ عبد الرزاق وآخرين، كانت فترة تتماهى بها المشاعر مع الإنجاز مع العلم مع الطموح ،كنا نسمع إلى أحد التقييمات الدولية آنذاك بأن العراق، وإن بقي على هذا المستوى من النجاح والتطور إلى جانب الجزائر آنذاك فهما الدولتان العربيتان سوف تغادران مربع دول العالم الثالث في الألفية الثانية، تخيل مدى الطموح الذي كانت تعتمر به أنفسنا بأن نرى الدول العربية عملاقة مهمة ،كالعراق والجزائر يغادران مربع العالم الثالث، وبالتالي هما في سبيل اختراق جدار التخلف نحو فضاء التقدم. مع ذلك لا اريد أن أدخل في مراحل لاحقة لكنها حقيقة أعاقت وأحبطت وأدمت روحنا العربية، بأن نرى تحديدا العراق وتحديدا الجزائر وقد دخلت في ظلام دامس ولسنوات طويلة ولذلك فدراستي للزراعة واشغالي موقع وزير الزراعة ،هو أمر في سياق طبيعي كوني خريج كلية الزراعة وعملت في القطاع الزراعي لسنوات في قطاع الثروة الحيوانية وفي قطاع دراسات الجدوى الاقتصادية وأيضا في مواقع مختلفة في القطاعين العام والخاص.
وربما ستكون وزارة الداخلية مرحلة ذات عناوين ومتطلبات..ألا تحدثنا عنها؟
- الداخلية قصتها سيد أحمد قصة مختلفة فهي بقدوم الملك عبدالله الثاني بداية عهده ورؤيته الحديثة أن يرى بعض المواقع التي كانت محصورة على الأمنيين أن تصبح مواقع مدنية يقودها مدنيون، وبدأت تلك المرحلة بتشريفي بتسنم وزارة الداخلية التي كانت فترة صعبة، لأن الإقليم كان ملتهباً أنا أتيت أبان غزو العراق وأتيت أبان صعود القوى الإرهابية في سوريا والعراق والأردن أيضا ،وفي كل المنطقة وأيضا استشهاد قادة كبار فلسطينيين وبالتالي في فترة شهدت حوالي الفين بين مظاهرة وتظاهرة ومهرجان شعبي التي كان لها مطلق الحرية ان تعبر عن نفسها جراء ما يجري في محيطنا العربي وبالذات في فلسطين والعراق. كانت مهمتي أن أخلق مقاربة خاصة ما بين المهمات الأمنية التي يضطلع بها الوزير وضرورة التعبير و تعزيز الحريات بأشكالها المختلفة. في وزارة الداخلية قمت بأول مشروع للدولة الأردنية في حقل اللامركزية الإدارية، لليوم يعني الأردن قطع به شوطاً كان لي شرف أن أضع اللبنة الأولى في هذا القانون المهم. وأيضا يعني إجراءات يمكن لا تقال للصحافة في الإطار أو في البعد الأمني لوزارة الداخلية أيضا كانت إجراءات مهمة ولازالت معمول بها حتى اليوم.
حقوق المواطن
كما وضعت هذا بالاتفاق مع جلالة الملك ما سميته بالمواطنة الاقتصادية. وبالذات للاشقاء العراقيين. عملنا آنذاك جواز سفر وهوية للمستثمر العراقي. بمعنى ان له كافة حقوق المواطن الاردني باستثناء حق الترشح والانتخاب. وأيضا في فترتي وأنا فخور بأنني خففت كثيرا على الاشقاء العراقيين الذين اضطروا أن يغادروا البلاد بعد الغزو، سواء بمنحهم اقامات في المملكة الاردنية الهاشمية او تنسيب مهمتهم اذا كانوا يرغبون في الذهاب الى دولة ثالثة.
يبدو أن ذلك يعكس نهـــــجك الــــــــقومي بحكم وجودك ونشأتك في سوريا ودراســتك في العراق؟
- تعلـــــــــــم أن خلفيتي قومية عروبية قضيت فترة منها في حزب البعث فكان شغب بعض المسؤولين عليّ بأن سمير وزير الداخلية، عندما يسهل مهمة العراقيين فهو يسهل مهمة البعثيين، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك. أنا موقفي من العراق موقف من الشعب العراقي موقف إيجابي.
وأنا أرى تحديدا أن العراقيين والاردنيين شعب واحد، بكل ما تعني الكلمة من وجود في دولتين. صحيح ان هذا ينطبق على كل العرب. لكن النفسية العراقية والاردنية متقاربة الى حد كبير ،في وزارة الداخلية صحيح كنت أودي واجبي ازاء شقيق عربي، لكن هذا الواجب يأخذ بعداً روحياً ونفسياً حينما يكون هذا الشقيق عراقياً. والى اليوم انا مقتنع ان أي بداية لعمل عربي مستقبلي جاد ربما للبنته الأولى تكون بين العراق والاردن.
كيف بدأت علاقتك بجلالة الملك الحسين ؟وكيف تبلورت وتعمقت ؟
- علاقتي بالملك حسين هي علاقة قدرتها او رسمتها مرحلة كان في نهاية الثمانينات وتحديداً عام 1988 حصل ما عرف بالاردن بهبة نيسان وكان هناك حركة شعبية واسعة جدا. صحيح بدأت احتجاجاً على رفع الأسعار لكنها رأسا اخذت بعداً سياسياً. وانطلقت وتحولت الى حركة تطالب بالحريات. وحرية الاحزاب والصحافة. وبانتخابات حرة ونزيهة والغاء القيود على كل من هو في المعارضة لانه يشارك في الحياة السياسية. تلك الفترة انا كنت في صفوف المعارضة وكنت ايضا قد حكمت لمدة ثلاث سنوات من نهاية السبعينات إلى بداية الثمانينات، على خلفية محاولة بناء جمعية غير مشروعة كما تسمى في القانون الأردني، أي حزب سياسي غير مرخص. وكنت في المعارضة وكنت مثل عشرات الالوف من الشباب الاردني الممنوع من العمل والممنوع من السفر. يعني عندما كنت في التسويق الزراعي كل ما كنت بحاجة الى الذهاب إلى بغداد لعمل عقود زراعية ،كنت أحتاج إلى إذن أمني، بكل سفرة يعني كل سفرة تحتاج إلى إذن أمني منفرد. تلك كانت تضييقاً شديداً ولم تكن الأمور تسير بشكل طبيعي، لكن للامانه فأن الأجهزة الأمنية الأردنية لا تذهب بعيدا بالإساءة وبالإيذاء للأشخاص يعني تبقى في حدود منهاج الدولة في مواجهة منهاج اخرهو منهاج المعارضة. على اي حال كانت الصورة سوداوية الى ان قامت كما ذكرت هبة نيسان واجتاحت كل المدن الاردنية وسقط بعض الشباب ضحايا، يعني فقدنا 13 شاباً وربما أيضا بعض العسكريين في هذه المواجهات بدأت في معان في جنوب الأردن وامتدت إلى طفيلة ثم إلى الكرك وإلى بقية المناطق ولو بحد أقل.
وكان الملك حسين خارج البلاد. وكنا في جلسة في بيت المرحوم شاهر ابو شحوت. يعني عشية عودة الملك المنتظرة من الخارج. والاحداث لازالت مندلعة، في مناطق مختلفة لم تصل الى عمان بالزخم الذي كانت به في بقية المناطق. على اي حال كنا في بيت المرحوم ابو شحوت وهو شخصية (ابو جبار) المعروفة لدى العراق كان في قيادة حزب البعث ومسؤول عن الملف الفلسطيني ،وكان مريضا وكنا نلتقي في بيته بين الفترة والأخرى، وكانت هناك شخصيات كثيرة منهم قادة عسكريون قدامى في مجموعة الضباط الاحرار. وكنا نجلس بعض الشباب المواظبين على زيارة المرحوم شاهر ابو شحوت وهو خال صديقي وايضا زميلي ووزير داخلية مبعد، هو الاستاذ مازن الساكت، وفي تلك الامسية كانت هناك اراء ان الملك سوف يعود ونظرا لانفلات الحالة الأمنية سوف يعلن الأحكام العرفية وسوف يشكل حكومة عسكرية ويعطل ما تبقى من بعض الحريات، لكن جاء الملك في اليوم التالي وأخذ قرارات غير متوقعة و لم يتوقعها، إلا بعض من كانوا يعرفون الملك عن قرب. أقال الحكومة المسؤولة عن رفع الأسعار والمتهمة بوضع قيود على الحريات.
وأعلن عن انتخابات برلمانية مبكرة وألغى كافة القيود على ترشيح رجالات المعارضة، من قوميين ومن يساريين ومن إسلاميين. وبدأ بفتح المجال لأن يترشح من يريد أن يترشح، أوقفت الملاحقات أوقفت عمليات المنع من السفر والمنع من العمل على خلفية سياسية، واعلن عن ما اسماه في انه يرغب بتشكيل لجنة لوضع ميثاق وطني للدولة الاردنية، مختلف تماما بوجود شخصيات من كافة الاطراف، وحقيقة كنت في عداد هذه اللجنة المؤلفة من ممثلي التيار القومي وكانوا يساريين وشيوعيين والاشتقاقات الحزبية لفصائل المقاومة مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وبعض رموز منظمة التحرير مثل المرحوم ابراهيم بكر وشخصيات اقتصادية رفيعة المستوى وشخصيات من البيروقراطية الاردنية مثل الدكتور عبد السلام المجالي وشخصيات قومية، مثل حمد الفرحان ليلى شرف ومعارضين كبار مثل الشيوعي عيسى مدانات وذيب مرجي من الجبهة الشعبية وهكذا تيسير الزبري من الجبهة الديمقراطية ومن منظمة التحرير، أيضا الاستاذ حمادة فراعنة وآخرين، وشملت الصحافة و كل قطاعات الدولة ومثلت ستين شخصية تقريباً مثلت كل القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة الأردنية والمرأة أيضاً.
لجنة ملكية
وكانت بداية علاقتي في الدولة باطارها الرسمي، وايضا التعرف على شخص الملك حسين. وكان يأتي بين فترة واخرى يسهم معنا في اعمال اللجنة الملكية، يأتي خصوصا عندما نصل إلى مرحلة بها صدام ومرحلة قد تؤدي إلى انسحاب المعارضة من لجنة الميثاق، يأتي ويهدئ الأمور ويطرح حلولاً وسط باستمرار، ترضي كافة الأطراف. ومن القضايا الممكن أن تقال في هذا الصدد أننا عندما اختلفنا على سنة ستة وخمسين وتعلم أن هناك كان لدينا حكومة وطنية برئاسة سليمان النابلسي، وكان لدينا تنظيم الضباط الأحرار وصار الاشتباك وحلت الحكومة الوطنية وجرت حملة اعتقالات واسعة في صفوف الأحزاب والعسكريين المنتمين إلى الضباط الأحرار، فاختلفنا في تلك المرحلة، هل الملك والنظام السياسي هو الذي انقلب على المعارضة أو على الأحزاب الوطنية أم العكس أن الأحزاب كانت تتاَمر لإسقاط الملكية في الأردن؟ واحتدم الخلاف، تخيل كل هذا المحتوى يرأسه ضمن عبقرية الملك حسين، مدير المخابرات ورئيس الوزراء السابق السيد أحمد العبيدات الشخصية المحترمة، فأتى الملك حسين وحل الموضوع ببساطة وقال يا أخوان هذه مرحلة معدة للسلم آنذاك، لمن يقود الدولة ومن يقود الأحزاب حول الثلاثين سنة يعني كنا شباباً بحالة حماس شديد. وهذا الحماس دائما يغلب علينا ويأتي بالعاطفة التي تغلب على العقل وعلى التفكير الموضوعي. فلم نحتمل بعضنا البعض. فكان ما كان أن لم نستطع انضاج تجربة الديمقراطية المبكرة للدولة الأردنية التي أنتم اليوم في الميثاق الوطني مجتمعين من أجل إنجازها أو انضاجها أو استئنافها. انتهى الميثاق الوطني و كانت وثيقة لليوم يعتد بها. ان أهم ما في الميثاق الوطني. أستاذ أحمد هو ان المصالحة التاريخية تمت ما بين النظام السياسي والمعارضة السياسية، كل المعارضة أقرت بالنظام الملكي الدستوري، والنظام الملكي الدستوري أقر بحرية هذه الأحزاب، على اختلاف تكويناتها، الشيوعي والبعثي وكل تلاوين القوميين واليساريين والإسلاميين بلا استثناء، وأيضا الشطر الآخر منها أنها قد أنجزت مصالحة تاريخية بين هذه القوى ذاتها، يعني لم يكن الشيوعيون والبعثيون والإسلاميون على وفاق، نحن كنا في الأردن نختلف مع الشيوعيين على خلفية صراعهم في العراق مثلا، أو في سوريا نختلف مع القوميين وهؤلاء يختلفون مع بعضهم البعض، بين من يعتبر نظام دمشق البعثي أفضل من نظام بغداد البعثي على سبيل المثال أو الحركة الناصرية، أيضا أبرمت مصالحة بين هذه الأطراف باعترافات متبادلة بين الأولين. حقيقة ان الملك حسين، لا اقول بانني قد اصبحت صديقا له، لكنني انا كنت على تواصل دائم مع الرجل الى أن توفاه الله وتشرفت بأنني كنت نائبا في عهده وكنت أيضا وزيراً للثقافة وشخصية رحبة، يعني عندما أكتب مذكراتي سوف يكون لهذا الرجل شطر مهم فيها.
وكيف نشأت وتطورت علاقتك مع الملك عبد الله ؟
- الملك عبد الله قال في بداية حكمه بأنني لست والدي، وهذا صحيح فالملك عبدالله شخصية أخرى، عسكري بكل ما تعني الكلمة، تدرج في الرتب من ضابط صغير إلى أن أصبح لواء في القوات المسلحة، اكمل تعليمه في الخارج منذ الدراسة الابتدائية إلى أن أنجز فصولاً مهمة جدا في العسكرية وفي التاريخ وفي الفلسفة، ميال الى الجانب العملي ويبتعد عن التنظير ويكره التنظير، ويرغب دائما في جمل قصيرة مجدية مثمرة. شكل لجنة الاردن اولا. وطبعا تم تعييني في بداية عهده عضواً في مجلس الاعيان وعضواً في لجنة الأردن أولا، لم يكن مقصوداً في الأردن أولا الانغلاق، التسمية كانت أن من يستطيع خدمة فلسطين أو خدمة المشروع العربي لا بد أن يكون قوة لخدمة فلسطين أو خدمة المشروع العربي، ولابد أن يكون قوياً في الداخل. والملك عبد الله شخصية ودودة ومتواضعة على غرار العائلة الهاشمية، هذا ديدنها. وأيضاً أنا في تقديري أنه لعب دوراً كبيراً في تعزيز مصداقية الأردن ويلعب دوراً كبيراً أيضاً في موضوع القضية الفلسطينية وحماية المقدسات. له محاولات، ذات بعد عربي ،لعلك تتذكر لقاء تحالف أو لقاء الشام هو مبادرة من الملك عبد الله للأردن والعراق ومصر، لتكون بداية، أيام حكومة الكاظمي، لتعاون اقتصادي واجتماعي وثقافي عربي. لكن مع الأسف التغييرات الدائمة في الحكومات العربية تضعف هذه الاتفاقات ونأمل اعادة احيائها وله أيضاً اختراق كبير في مجموعة من دول أفريقيا لإعادة القارة إلى جانب الحق العربي وإلى علاقات عربية جيدة.
علاقات وطيدة
تعلم كانت علاقة أفريقيا في الوطن العربي في فترة الرئيس عبد الناصر علاقات وطيدة، ولكنها ضعفت بعد ذلك واستطاعت إسرائيل أن تحتل مساحة واسعة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية في أفريقيا. الملك عبد الله يسعى عبر تجمع يسمى اجتماعات أو لقاءات العقبة، إلى إعادة تعزيز العلاقة مع الدول الأفريقية.
وعلى الصعيد الداخلي ماذا يشغلك؟
- في الموضوع الداخلي تشغلني ترتيبات الوضع في الأردن، حقيقة الأردن دولة تتأثر بما حولها وتتأثر تحديدا بالجوار العربي وتعلم أن الحرب التي قامت على سوريا أثرت كثيرا على الأردن في موضوع اللجوء حيث ينوء الأردن بأشقاء سوريين أكثر من مليون وربع المليون لاجئ بالتقريب، يضغطوا على موارد الدولة المتواضعة أساسا، من حيث المياه أو الخدمات، تعلم أن المدارس في الأردن عادت بوجود الأشقاء السوريين إلى فترة التدريس بفترتين، المدارس تعمل طوال النهار والصف الذي كان فيه ثلاثون أو أربعون طالباً اليوم تعج بالطلاب ستين وسبعين وثمانين طالباً والخدمات وضعها صعب باستثناء شبكة الطرق والكهرباء لكن هناك ضغط على الصحة والتعليم، ضغط على شبكات الصرف الصحي، شح مياه والاضطرار الى أن نشتري المياه من العدو، وبنفس الوقت مشروع التحليل، المشروع الاقليمي الذي يحتاج إلى مليارات، متأخر لغياب التمويل، الأردن في تقديري داخليا ينوء تحت ضغط البطالة والفقر.
اليوم نسبة الفقر المتوقعة تزيد عن العشرين بالمئة أو أكثر حتى أنه هناك تصريح لوزير في الحكومة سنة الواحد وعشرين أن الفقر يقول أن الفقر في الأردن يصل إلى مستويات عالية ناهيك عن البطالة أيضا البطالة الأرقام المعلنة بحدود 22 بالمئة لكنها في الحقيقة أعلى من ذلك بكثير خصوصا في أوساط الشباب وتصل ربما إلى 50 أو 60 بالمئة بأوساط السيدات. هذه معضلة كبيرة تحتاج إلى حلول، خصوصا أن تترافق مع تراجع الاستثمار في الأردن، في هذا العام تراجع الأردن ثمان درجات في هذه الدراسات الدولية بأهداف التنمية المستدامة، تراجع حوالي ثمان درجات هذا مرتبط في عوامل خارجية ولكن أيضا مرتبط بعوامل داخلية هذه معضلة أردنية إجتماعية معيشية تتفاقم أيضا بغلاء الأسعار، هناك عدم رقابة على الأسعار وبالتالي كل قرش يرتفع في العالم ربما يجابه بثلاثة واربعة قروش في الداخل لغياب الرقابة، نسعى لإحداث تنمية سياسية والانتقال إلى حياة برلمانية حزبية، تلك لجنة التحديث السياسية التي تشرفت بأن أكون نائب رئيس لها وضعت قوانين نعمل عبر هذه القوانين أن نتمكن على حلها.
هذا ايضا مرتبط بالأوضاع الأقليمية المحيطة بالاردن؟
- ان إشكاليات الاردن مرتبطة بإشكاليات المنطقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولا حل استاذ أحمد إلا أن يلملم العرب أشلاءهم مقدمة لمشروع على الأقل ليحفظ حقوق العرب ويدافع عن مصالحهم وحماية ثرواتهم يعني، في الأردن، إسرائيل تسرق مياهنا وفي مصر تسرق مياهنا، وفي العراق وسوريا تسرق مياهنا مثال واضح على أن هذه الأمة تعاني من ضعف جعل من السهولة بمكان أن يعتدي الآخر عليها.
وانا احاورك تدور في غزة رحى عدوان اسرائيلي دموي وغاشم...ماذا تقول بشأنه؟
- في ما يتعلق بغزة أن هذه البقعة الصغيرة التي تقل مساحتها عن أصغر محافظة عربية تمثل رأس الشعلة وتقدم نموذجاً للمقاومة قل نظيره، أشهر من الصمود في وجه واحدة من أعتى وأشرس الآلات العسكرية في العالم تواجه خطاباً تلمودياً وتسليحاً قل نظيره ومع ذلك أنهم يقاتلون بالإرادة إرادة الأصرار على الحرية والأصرار على الإنعتاق، أمر غزة يشغل كل عربي فهو جرح غائر في نفوسنا ما يجعله مؤلما أكثر هو الحال العربي حيث أن العرب عمليا يتفرجون على ما يجري في أخوانهم. أعتقد أن الأمور بعد غزة ليست مثل قبلها، وأن أهل غزة قدموا، والضفة الغربية أيضا ،درسا حقيقيا في الكفاح وأنه رغم كل المآسي التي ترتبت على غزة من قتل ومن دبح ومن دمار اعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ولأول مرة تنتصر السردية الفلسطينية على سردية الصهاينة التي كانت هي السائدة في العالم.
انت تزور بغداد بعد فترة انقطاع كيف تنظر اليها اليوم...هل تغيرت؟ هل رأيتها تنعم بالاستقرار؟
-ما يتعلق في بغداد قلت لك أنها في قلبي وفي نفسي وفي مشاعري وتبقى بغداد حاضرة العرب وإن ضعفت وانكفأت فإنها لابد تقوم ويعاد لها ألقها، زيارتي الأخيرة إلى بغداد أفرحتني قليلا بأن أرى استئناف البناء، رأيت بغداد ورشة بناء هذه الأيام، لكنني أعتقد بأن العراق والنخب العراقية لابد أن تتخلى عن ما فرض علينا بعد الغزو بأن تقسم هذه البلاد إلى طوائف وإلى مذاهب وإلى عرقيات، وكأن العراق يبحث عن هوية، المفارقة أن العراق هو الجزء الأهم في وطننا العربي الذي أعطى الأمة هوية العرب إذا كانت نحتها رسولنا الكريم عليه السلام برسالته السمحة التي كان للعرب شرف حملها للعالم وقدم بداية لمفهوم الأمة بالنسبة للعرب، فإنها قد اكتست لحما واستكملت كمفاهيم وكحضارة وكعطاء في بغداد. وفي فترة الدولة العباسية وتحديداً الفترة العباسية الأولى، محزن أن ترى بعض العراقيين يبحثون عن هوية وهم من منحوا العرب هويتهم التاريخية، رسالتي عبر (الزمان) إلى العرب أن ليس لكم من مستقبل إن لم تحققوا الحد الأدنى من الوشائج المادية والمعنوية الحقيقية، البعيدة عن الشعارات والبعيدة عن البيانات. لا يجوز أن نبقى كذلك لن نلحق بركب الأمم إن لم نبدأ في بناء أو إعادة بناء أو إعادة إحياء مشروع نهضوي عربي الكل يتشارك به ولكن بطبعة الديمقراطية وبطبعة احترام الآخر. لا نريد تدخل بلد عربي.
في آخر حيث يفرض عليه شكل أو مضمون نظامه السياسي، أو هيمنة بلد على آخر أو حتى هيمنة عرق على آخر أو مذهب على آخر داخل بلد الواحد. نريد كما يقول صديقي الدكتور عبدالحسين شعبان أن نحقق وستفاليا عربية ووستفاليا داخل كل قطر عربي لوحده.
أنا أعتقد إذا بني المشروع العربي سوف تعاد مكانة الأمة كأمة مهابة وذات حضور واستئناف مسيرتنا مع حضارتنا التي انقطعت بفعل الاستعمارات، وبفعل مراحل طويلة من التخلف. تجربتنا اليوم تؤكد أن الدولة القطرية وحدها، مهما كانت غنية أو كبيرة أو عدد سكانها كبير ومساحتها شائعة، فإنها وحدها غير قادرة على حماية أمنها الوطني، بل وغير قادرة على إحداث التقدم المنشود .نحن أمة نعيش على جغرافيا يسكنها العرب، خلقت لأن تكون قطعة واحدة، فهذا التشطير أضر بها وإن بقي سوف يضر بها، وربما نتوارى ونغيب عن الفعل الإنساني بعد العطاء الحضاري بشتى إشكاله الذي قدمناه للبشرية.
أخيراً معالي العين سمير حباشنة؟
- أشكر (الزمان) وأتمنى لكم دوام التوفيق.