عمر البلوغ وعمر الزواج

حسين سميسم

أفتى الفقهاء بزواج القاصرات اعتمادا على تفاسير من سبقهم من فقهاء ومفسرين، لا على اجتهادهم الخاص المستند إلى جمع القرائن والدلائل، فقد اعتمدوا على الإجماع - ولا أقول التقليد لأن المجتهد لا يقلد -، والإجماع عند الشيعة لا يصلح أن يكون دليلا بنفسه، وليس له اعتبار شرعي إلا إذا كان كاشفا عن رأي المعصوم الوارد إلينا برواية صحيحة، وهو ليس كذلك.  

ومن يبحث في آيات المصحف، ويتفحص الاشارات الدالة على النكاح، لم يجد أي نص قرآني يبيح الزواج من طفلة بلغت تسع سنين، لأن القرآن ذكر الزواج، لكنه لم يحدد العمر الذي يسمح به للفتاة من الزواح ، ذكر القرآن تعبير بلوغ النكاح وتعبير الرشد في سورة النساء 5 ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا ... ). والبلوغ هو التغيرات الجسدية التي تؤدي إلى ظهور بعض الخصائص الجسدية مثل الثديين وشعر العانة، ويستمر من عمر التاسعة الى العاشرة ويستمر حوالي 4 سنوات حيث يكتمل فيها شكل الحوض، والبلوغ شرط في وجوب العبادات الشرعية، وبه تصبح العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة وخمس واجبة، وتلتحق بذلك الشهادة، والطلاق، والصدقة، والوصية، والدخول في المعاملات التجارية، وقبول النكاح، والجهاد، وحلية الذبح، وكل تلك الواجبات تتطلب العقل والبلوغ .

معاملات تجارية

لقد دمج الفقهاء البلوغ (الحيضة الأولى والاحتلام للولد) بزمن بلوغ النكاح، وقالوا بأنه واحد، وفصلوا عنه جملة من المعاملات، مثل الكفاءة والموافقة على الزواج، لأن الأب يكون وليا على البنت ذات التاسعة ويزوجها ولا يشاورها (ابن عبد البر 19/ 98)، وهو الذي يعرف مصلحتها!!.

وفصلوا كذلك جميع المعاملات التجارية والتعامل بالمال عن عمر البلوغ .  لقد ورد في النص القرآني تعابير البلوغ، وبلوغ النكاح، وبلوغ الأشد، وبلوغ الحلم، وبلوغ الرشد، و بلوغ السعي، و بلوغ الأجل. ولا يوجد لدينا نص يطابق عمر البلوغ بعمر النكاح، ولم يحدد القرآن كذلك عمر الرشد، فهو عمر تقديري يختلف بين زمن وآخر وبين مكان وآخر، وحدد السيد السيستاني عمر الرشد بين 18 إلى 21 سنة، وحدده أبو حنيفة ب 25 عاما، ويبقى اليتيم حسب قوله غير راشد لغاية هذا العمر، وقال النووي الشافعي أن حكم اليتيم لا ينقطع بمجرد البلوغ، ولا بد أن يظهر منه الرشد في دينه وماله.لم تكن الفترة الزمنية التي تفصل عمر البلوغ وعمر بلوغ النكاح وبلوغ الرشد واضحة عند الفقهاء، فقد ربط السيد السيستاني في أماكن عدة بين البلوغ والرشد ( انظر المسائل المنتخبة مسألة 969 و 970) . كما قارن السيد كمال الحيدري أهمية النكاح على التعامل المالي المذكور في الآية 5 من سورة النساء ، فقال إن مسؤولية النكاح أكبر من مسؤولية التعامل المالي، لأن تكوين اسرة مسؤولية كبيرة، والمال هو مسألة جزئية والزواج مسؤولية أكبر، وبهذا جعل سن بلوغ النكاح بعد اكتمال النمو الجسماني للولد والبنت وهو يعقب عمر الرشد، ولو رجعنا الى النص القرآني الذي يقول فإن آنستم منهم رشدا .، أي وجدتم فيهم عقلا وصلاحا وهما شرطان ينطبقان على الزواج لتكوين أسرة أكثر منه انطباقا على التكليفات العبادية الأخرى، لكن الفقهاء أصروا على اعتماد الروايات الضعيفة، و أفتوا بشكل مختلف في تحديد عمر الزواج، منهم من قال 9، ومنهم 13، وقال آخرون 14 او 15، وسكت الكثير عما حددته الدولة ب18، فإن كانت المسألة تقديرية بشرية وتعتمد على مصلحة الولد والبنت في تكوين أسرة فلماذا لا نرجع في هذه القضية إلى المختصين من علماء الاجتماع والنفس والطب ليبتوا بها؟.

لقد ظهر شيء غريب في حمأة مناقشة قانون الأحوال الشخصية خلال هذه الأيام في العراق هو تبرؤ الدعاة ورجال الدين الذين يظهرون في الفضائيات من عمر زواج البنت في سن التاسعة، لأنه غير معقول،  وأجمعوا أمام الناس وفي الفضائيات بأن المراجع لم يذكروا هذا السن في رسائلهم العملية مطلقا، وهم يراهنون على جهل السامع وعدم ذهابه لقراءة الرسائل العملية للفقهاء، ويبين هذا التصرف حرجهم من ذلك، وينبئ عن رغبتهم في رفع أي ذكر لعمر التاسعة في الرسائل العملية، وأنا اؤيدهم في هذا المسعى.  

صلاحية خاصة

إن تحديد عمر الزواج يجب أن يتدخل فيها المختص مثل الطبيب البدني والنفسي والباحث الاجتماعي والحقوقي والقاضي، فهو ليس مسألة ليست دينية، لأن الله سبحانه لم يثبت ذلك في قرآنه الكريم، ولم يعطِ صلاحية خاصة لرجل الدين في تحديد ذلك، وعلى الفقيه أن يفهم هذا الأمر، ولا يتدخل فيه، ويزيل من (رسالته العملية) هذا الاشكال حفاظا على مصلحة الأمة، وفي الختام أقــول إن نصوص المصحف بريئة عما ذهب إليه المفسرون .