العمر يحصد الصفر
ضياء واجد المهندس
لم أفكّر يومًا أن أكون نائبًا، لا لأن الحلم كبير، بل لأن الكرسي صغير على حجم الوجع.
لكن الزملاء ألحّوا وقالوا: “ترشّح، البلد يحتاج أمثالك!” فقلت: “حاضر، سنجرب الحظ، ربما هذه المرّة يصوّت الشعب للعقل قبل العشيرة.”تقدّمت مع تحالف مدني، ولم أرَ منهم مدنيًّا ولا تحالفًا. لم أستلم دعمًا، ولا حتى قنينة ماء انتخابية. كنت مرشحًا بلا ملصق، بلا مؤتمر، بلا صورة، كأنني شبح الإصلاح وسط زحمة الملصقات اللامعة التي تبتسم من جيوب الفاسدين.كنت أستحي أن أخبر أقاربي أني مرشّح، فالمسألة في هذا البلد لم تعد “خدمة وطن”، بل “وظيفة نهب”.وذات يومٍ قال لي زعيم سياسي كبير – بلغة الناصح المتورّع –:> “لن نسمح لك بدخول البرلمان، أنت مشاغب، قد تدمّر المجلس!” يا سيدي، وهل بقي في المجلس ما يُدمَّر؟ الخراب قائم، فقط ينقصه من يكتب عليه لافتة «تم الافتتاح»!تحرّك معنا زملاؤنا في مجلس الخبراء – أكثر من ألفي شخص –، أساتذة، طلبة، ضباط، شيوخ، وحتى شيخٌ معمّم خلع عمامته ولبس دشداشته، وساق معه أربعمئةٍ وعشرين مؤمنًا بالديمقراطية، نحو المراكز الانتخابية.اتصالات من كل مكان، صور، وعود، دعم، حماس، كل شيء كان جاهزًا... إلا النتائج. النتيجة كانت “صفرًا” أنيقًا، مستديرًا، كأنه خاتمٌ على شهادة الخيبة.صفر... لا صوت واحد، لا نصف، لا كسور عشرية.كأنني ترشّحت في كوكبٍ آخر!
تقول “خاجية”:
> “تعمل من الصغر للكبر... وتحصد صفر.”أقول:
مبروك عليكم أيها الناخبون الأوفياء، فقد جددتم الولاء للفاسدين والمزوّرين والسارقين.صرفوا أحد عشر ترليون دينار ليقنعوكم أنهم منكم، فصدقتم...وسيقنعونكم غدًا أن لحمكم “مشروع استثماري”، وأن العظم يصلح للتصدير!
أما أنا، فسأكتفي بهذا الصفر، أضعه وسامًا على صدري،
ففي زمنٍ تُشترى فيه الأصوات...أن تحصد الصفر، يعني أنك لم تبع نفسك.