الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ما أحوجنا إلى أمثال منذر بن سعيد

بواسطة azzaman

ما أحوجنا إلى أمثال منذر بن سعيد

حسين الصدر

 

-1-

اعتاد الملوك والرؤساء والسلطويون أنْ يبالغوا في ما يشيدون لانفسهم من قصور فخمة مزينة بالذهب .

وهم حين يسألون المقربين منهم عنها يباركون لهم صنيعهم دون انكار .

وهذه المداهنة والمجاملة معروفة عبر امتداد الأجيال .

-2-

ولكنّ ذلك لا ينفي وجود رجال لا يطيقون ان يروا باعينهم السرف

وصرف الأموال الباهظة في غير موضعها المناسب، ثم هم لا يخشون في الله لومة لائم، ولا يستسيغون المجاملات الرخيصة على حساب القيم والحقائق، فتجري على ألسنتهم كلمات الحق مدوية عالية دونما نكوص من البيان المطلوب في مثل هذه المواطن .

-3 –

ومن أمثلة ذلك موقف ( منذر بن سعيد البلوطي ) مع خليفة الاندلس الناصر لدين الله الذي بني مدينته الزهراء ، وهي كما قيل عديمة النظير في الحسن وأنفق عليها مالا يُحصى من الأموال .

-4-

قال القاضي أبو الحسن ومن أخبار منذر بن سعيد البلوطي المحفوظة له مع الخليفة الناصر في إنكاره عليه الإسراف في البناء أن الناصر كان اتخذ لسطح القبة التي كانت على الصرح الممرد المشهور شأنه بقصر الزهراء قراميد مغشاة ذهبا وفضة أنفق عليها مالا جسيما وقد مد سقفها به تستلب الأبصار بأشعة أنوارها وجلس فيها إثر تمامها يوما لأهل مملكته فقال لقرابته من الوزراء وأهل الخدمة مفتخرا بما صنعه من ذلك

هل رأيتم أو سمعتم ملكا كان قبلي فعل مثل فعلي هذا وقدر عليه ؟

فقالوا:

لا يا أمير المؤمنين وإنك لأوحد في شأنك كله، وما سبقك إلى مبتدعاتك هذه ملك رأيناه، ولا انتهى إلينا خبره، فأبهجه قولهم وسره ،وبينما هو كذلك إذ دخل عليه القاضي منذر بن سعيد واجما ناكس الرأس، فلما أخذ مجلسه، قال له كالذي قال لوزرائه من ذكر السقف المذهب، واقتداره عليه وعلى إبداعه، فأقبلت دموع القاضي تنحدر على لحيته ،وقال له:

والله يا أمير المؤمنين ما ظننت أن الشيطان - لعنه الله تعالى- يبلغ منك هذا المبلغ ولا أن تمكنه من قلبك هذا التمكين، مع ما آتاك الله من فضله ونعمته، وفضلك به على العالمين، حتى ينزلك منازل الكافرين .

قال : فانفعل عبد الرحمن لقوله وقال له انظر ما تقول : وكيف أنزلني منزلتهم؟

 فقال له نعم أليس الله تعالى يقول (  ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون)

الزخرف / 33

 فوجم الخليفة، واطردت عيناه، وأطرق مليا ودموعه تتساقط خشية وخشوعا لله تعالى، ثم أقبل على منذر، فقال له:

جزاك الله يا قاضي عنا وعن نفسك خيرا ،وعن الدين والمسلمين أجمل جزائه ، وكثر في الناس أمثالك، فالذي قلت هو الحق :وقام من مجلسه ذلك ،وأمر بنقض سقف القبة وأعاد قرمدها ترابا على صفة غيرها .

-5-

وعلى نهج « الناصر « سار الكثير من الملوك والرؤساء والسلطويين وجعلوا المال العام وسيلة لاشباع شهواتهم المحمومة ورغباتهم المأثومة  ومنهم من جعل مقابض المغاسل من الذهب – كما صنع الطاغية المقبور- ولم يدّون لنا التاريخ موقفا جريئا كوقف ( منذر بن سعيد ) مع الناصر ، لأنّ الموقف الحر السديد يحتاج الى ايمان عميق ، وشجاعة متميزة ، والتزام بالصدق في كل المواقف والمتصفون بهذه الصفات قليلون – للاسف الشديد – في كل عصر ومصر .

                          -6-

اننا بحاجة الى الرجال الذين يؤثرون الحق على الباطل ولا يبالون، وأين هؤلاء من الكثرة الكاثرة التي لا تلهث الاّ وراء مصالحها ومنافعها الحياتية ناسية كل ما تقضيه الموازين الشرعية والأخلاقية والإنسانية .

 

 

 

 

 


مشاهدات 76
الكاتب حسين الصدر
أضيف 2024/07/01 - 5:31 PM
آخر تحديث 2024/07/02 - 8:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 383 الشهر 810 الكلي 9362882
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/7/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير