الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصعلكة في عالم الثقافة

بواسطة azzaman

الصعلكة في عالم الثقافة

محمد الكرخي

 

لعل واحدة من رذائل الوسط الثقافي العراقي، تتمظهر في السلوك الشخصي للبعض من ممثلي هذا الوسط. إن هؤلاء البعض إما مجاملين إلى درجة النفاق والتملق [تملق السلطة، تملق الشباب، تملق الأقران والزملاء، تملق العوام، إلخ من أشكال وأنواع التملق] أو واهمين غير مهذبين أخلاقياً، يبررون عدم اتزانهم السلوكي بالصعلكة التي -بحسبهم- تدفعهم إليها مواهبهم الفذة. إنهم مجبرون على الصعلكة لا مخيرون، إن الصعلكة قدرهم الإبداعي كما يظنون.

يشترك هذان النموذجان في وسطنا الثقافي العراقي بعدة صفات نفسية-أخلاقية تتلخص في: أولاً؛ ضعف البنية المعرفية-العلمية في مجالات غير مجال التخصص الذي هم مختصون فيه. ثانياً؛ المعرفة الفلسفية المتواضعة، إنهم يحفظون الآراء الفلسفية ولا علاقة لهم بالكيفيات التي تتأسس وفقها «الأنساق الفلسفية»، واحدهم يفهم الآراء الفلسفية كما يفهم الآراء الفقهية، هو يحفظها ويعمل بها دون أن يفهم شروطها وحدودها. ثالثاً؛ ضعف الشخصية ، الواحد منهم بلا شخصية أمام الأصفر الرنان وعند الامتداح والمجاملة وفي رحاب الزعيم السياسي-الديني وفي مضيف الشيخ. رابعاً؛ الادعاء، واحدهم مدعٍ من الطراز الرفيع في المنافحة عن أهداف ومبادئ وقيم سامية باعتقاده، كأن يكون الوطن أو الدين أو المذهب أو المؤسسة أو الزعيم السياسي-الديني. ولو شئتُ إطالة الحديث، لذكرت المزيد من الصفات.

إن الصفات النفسية-السلوكية المذكورة في أعلاه، تساعدنا في فهم الدوافع الأولية للنزاعات التي تنشب بين المثقفين العراقيين، والمشكلات التي تقع بين المثقف من جهة ومؤسسة أو سلطة أو جهة اجتماعية ما من جهة أخرى. لأن المثقف «س» لا يعرف غير المجاملة، ولأنه يجهل أبجديات المواضيع الخارجة عن حدود تخصصه الثقافي-الأكاديمي، سيكون مضطراً لامتداح المنجز الثقافي للمثقف «ص». وما أن يشجر خلافٌ ما -غالباً ما يكون شخصياً-، بين هذين المثقفين، حتى يُعَيِرُ أحدهما الآخر بمنجزه الثقافي!

كما أن الصفات النفسية المذكورة في أعلاه، من أسباب ظاهرة «الصعلكة» في وسطنا الثقافي العراقي.

إنه لافتقار المثقف العراقي للتحصيل العلمي الرفيع، ولغياب الثقافة الفلسفية، ولطبيعته في ادعاء ما ليس فيه، ولضعف شخصيته، إنه لكل ما تقدم، يقدم نفسه وكأنه «صعلوك» موهوب شبيه بصعاليك فرنسا القرن التاسع عشر أو صعاليك العرب في الجاهلية وما بعدها.

إن للصعلكة شروطها وظروفها، وليست مجرد تقليد في الملبس والمأكل والآراء. في بيئتنا العراقية، البيئة المناخية والاجتماعية-الاقتصادية، يصعب أن يوجد الصعلوك الموهوب إلا في حالات نادرة جداً -حتى إن وجد، فلا قيمة له-، أما مجرد تمثيل دور الصعلوك، فهو السائد في وسطنا الثقافي العراقي.

سلوك الاخرين

إن المتصعلك بعد أن يتزوج، وينجب من زوجته الأطفال، إنه بعد سنوات من زواجه، يكتشف أنه صعلوك، وأنه يجب أن يعيش باقي حياته كصعلوك، وهذا ما يحتم عليه هجر زوجته وأطفاله، في سبيل موهبته التي لا تتفتق إلا بعد أن يتصعلك. ولكي تنجز صعلكته على أتم صورة، لا بد وأن يعاقر الخمر ولا يستحم ولا يعتني بمظهره أو يعتني بمظهره بنمط معين يدل على رمزية ما، ويدخل حروباً مع القريب والبعيد بسبب شيء ولا شيء.

لست أنصب نفسي قاضياً على سلوك الآخرين في حياتهم، ولست ضد الصعلكة ولا أدعو إليها، لكنني أحض المثقفين العراقيين على التأمل في أسباب «ظاهرة الصـــــــــــــعلكة»، وأرغب بتذكــــــــــــيرهم أن مجتمعنا العراقي لا يزال يجــــــــهل معنى «الحرية الفردية» و «الحياة الشخصية» وأن يكون المثقف صعلوكاً وغير متزن أخلاقياً، مما سيدفع المجتمع العراقي إلى عدم احترامه وبالتالي عدم احترام «الوسط الثقافي»، إذ لا يخفى على مهتم أن مجتمعنا العراقي لا يزال ينظر إلى الفرد وكأنه تابع أو ممثل عن عشيرة.

وبما أن الصعلوك مثقف، فهو في وعي ولا وعي الإنسان العراقي ممثل عن الوسط الثقافي.

 


مشاهدات 70
الكاتب محمد الكرخي
أضيف 2024/07/01 - 5:40 PM
آخر تحديث 2024/07/02 - 9:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 161 الشهر 588 الكلي 9362660
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/7/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير