الامريكان وبقرات ( جويبة )
محمد علي شاحوذ
مررت كباقي الناس بأيام عصيبة أبان الاحتلال الامريكي للعراق سنة (2003), وعانيت أوقاتا ثقيلة من الخوف والرعب في كل مرة أتوجه فيها لمزاولة عملي في عيادتي البيطرية, والتي كان الطريق الممتد اليها من مدينة الرمادي حتى منطقة النساف شرقا, مسرحا للمواجهات الدموية شبه اليومية بين فصائل المقاومة العراقية وقوات الاحتلال الامريكي, ولولا حفظ الله لكنت فقدت حياتي بعدما نجوت من الموت مرتين بأعجوبة, اذ ان الامريكان كانوا لا يترددون بقتل كل كائن يصادف مروره بالقرب منهم, واحيانا كثيرة يرتكبون المجازر فقط من اجل المتعة واللهو, ولكن ومع كل تلك المخاطر غير ان شغفي بالعمل كان أكبر من خوفي من الموت.
كانت عيادتي في تقاطع منطقة (النساف), حيث معقل قبيلة (البو فهد), وليس ببعيد عن عيادتي يوجد شريط زراعي بمحاذات نهر الفرات وهو يضم بيوتا وبساتينا زراعية مملوكة لأبناء عشيرة ( البو طه), وغالبا ما شكلت هذه المنطقة قاعدة لانطلاق قذائف الهاون وصواريخ المقاومة مستهدفة مراكز تجمعات القوات الامريكية الغازية, والتي بدورها كانت ترد على مصادر النيران بعد مضي عشر دقائق بالضبط مستخدمة مختلف الاسلحة الثقيلة غير أبهة لبيوتات الناس الابرياء وتجمعات حيواناتهم, وذات عصر يوم, أمعن الامريكان بقصف المنطقة بوابل من القذائف والتي أصابت الابقار الموجودة في العراء, وبعد انتهاء القصف هرعت مسرعا الى المكان مع بعض الاهالي لأجد مجزرة حقيقية بين صفوف الابقار المسكينة والتي وجدت نفسها مستهدفة من قبل أكبر قوة غاشمة في العالم, وفي الفور باشرت بإجراء العمليات الطارئة لما تبقى منها على قيد الحياة بعدما تحول بعضها الى اشلاء تملئ المكان, وقد استهلكت كل الخيوط الجراحية بفعل الشظايا التي اصابت جميع البقرات ورمتها ارضا وقد حرصت على إيقاف النزيف اولا, وقد اصابني التعب والارهاق حتى انني عجزت عن تحريك اصابعي في النهاية.
كانت الابقار المصابة تأن من الألم وهي مستسلمة تماما لعملي, وكنت اقول في نفسي: أن الجيش الاقوى في العالم والذي يمتلك اكثر من (3415) قمرا صناعيا في الفضاء، لرصد تحركات الدول وجيوشها وافرادها, لا بل تراقب حتى تحركات صراصرها على الارض, أيعجز هذا الجيش عن رصد تجمعات الناس الابرياء وبقراتهم المسالمة ولا يميزها عن تجمعات المقاومة؟, وهل يعقل ان الجيش الامريكي قطع كل تلك المسافات عابرا المحيطات والبحار ليدخل في حرب شرسة ضد الابقار والعجول في العراق؟, وقبل ان اترك المكان, نظرت الى الحيوانات المسكينة, و ثمة سؤال لمحته في عيونها يقول ( ما الذنب الذي اقترفناه لتقصفنا القوات الامريكية بهذه البشاعة؟), وعندها لملمت ادواتي وقفلت راجعا للعيادة وانا العن تلك الصدفة التي قادت ذلك السافل ابن السافل ( كريستوفر كولومبوس) الى اكتشاف امريكا, متذكرا مقولة الكاتب الامريكي البارز ( مارك توين) الذي قال: ( انه من الرائع اكتشاف امريكا ولكن الاروع لو لم يتم اكتشافها), ولكم ان تتخيلوا العالم بلا أمريكا, عالم بلا قذارة السياسة الامريكية الرعناء, فهل كنا سنشاهد كل هذه الحروب والابتلاءات من قبل دولة ( الويلات) المتحدة الامريكية !؟.