الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
وجه أبي

بواسطة azzaman

وجه أبي

رباب رزاق ابراهيم حسن

احياناً عندما اقف في الزحام المح وجه ابي في الوجوه في وجه رجل هادئ منحني نحو هاتفه كما كان ابي ينحني ليقرأ كتابا او يبحث عن احد الاصدقاء للاتصال به اتقرب وارفع رأسي لاتفحص ثم ادرك انه مجرد خيال

افتقد ذلك الصوت الجميل وابيات الشعر التي كان يغنيها مطقطقا اصابعه متراقصا في كل فجر حتى مع اصعب اوقات المرض ، كان يقول لقد اخذت العصافير حصتي من الصباح ساعدوني لأستيقظ .

كيف لزيارة القبور ان تطفأ نار الاشتياق لا احب رؤية قبره كيف لذلك الانسان النشيط المبدع المفعم بالحب والحياة ان يسكن القبور لماذا صدقت ان ابي اصبح كهلا مريضا وانه سيموت كنت لا أريد ان اصدق لقد اصبح عظاما نخره ذلك الذي كنت اشتاط غضبا اذا رأيت جرحا صغيرا في جسده .

كان يحب الموت كما الحياة وعودنا على تقبل الفراق والموت بقوله كلنا سنموت (سوف ننام النومة الابدية) كنت يوماً اسحبه في احد الشوارع  فانتقدني احد الاشخاص قائلا انت تسحبين جنازة كانه طعنني في قلبي وشعرت بالحقد اتجاهه هل يظهر الموت على الملامح المحبة للحياة ، عندما كنا صغارا كان ابي يستيقظ فجرا يستحم مغنيا المقامات مع عبارة امان امان بعدها يتوجه لعمله في الاتحاد  ومن بعدها مجلة افاق عربية وبيت الحكمة وغيرها وعدد من الصحف والمجلات والكثير منّ النشاطات وزيارات متعددة لعدة مواقع واشخاص ليعود بعدها للمنزل يتساقط عرقا حاملا حقيبته المعتادة المليئة بالأوراق والصحف ليبعثرها على احد الطاولات التي يضع فوقها اكواما من الكتب والمجلات ويستمر بالكتابة مع كوب شاي ثم يخرج عصرا متجولا في المجالس الادبية او لزيارات الاصدقاء او يجلس ليقرأ كتابا وفي يوم الجمعة كان له ركن معروف في مقهى الشابندر يجتمع معه المحبين وايضا في مقهى حسن عجمي كان نهاره طويلا مليئا بالانجازات كان يكره الانتهازيين الذين يكتبون لامتداح جهات سياسية او نظام معين لكسب المال ومع هذا كان عندما يكتب قصيدة عن الامام علي ع مثلا او دراسة معينة كان ساعي البريد يزورنا باستمرار محملا بكتب الشكر من ديوان رئاسة الجمهورية برغم بعد ابي كليا عن المديح السياسي وكان هناك راتب عالي يخصص للأدباء بدون تقديم اي عمل كان يستلمه ابي وكان من ضمن الفئة أ اعلى الفئات برغم مواقفه البطولية مع اصدقاءه ومنهم المفكر الشهيد عزيز السيد جاسم حيث انه بعد تغييبه كان يزور عائلته وينقل لهم الرسائل والمبالغ المالية من عمهم في حين كان الجميع يخاف ان يقترب منهم وفياً جدا لا صدقائه لحدود التضحية كان ابي نقياً وطيبا جدا متسامحا محبا للخير اجتماعي جدا كان منزلنا لا يخلو من زيارات الادباء والشعراء والفنانين وشخصيات عريقة في المجتمع من اصدقاءه مليئا باللوحات الفنية والمنحوتات الجميلة التي تهدى له كانت لدينا مكتبة كبيرة ومازالت برغم فقدان نصفها اثناء التهجير مليئة بالكتب المتنوعة كان يفخر ويوصينا بها وكان يشعر بالامتعاض لاننا لا نقرأ قائلا لربما اولادكم سيقرؤون كان يوصينا ان نحافظ عليها قائلا انا قلق على مكتبتي الان عندما ادخلها اشم رائحته فيها اراه في زواياها كل قصاصة ورق فيها كأنها قطعة من قلبونا كان شغوفا يستمتع بكل التفاصيل كانه طفل صغير كان يحب ان يكون بمظهر مرتب وجميل لا يتكلم بسوء عن احد ابدا فكاهي يروي لنا النكات والمواقف المضحكة كان صديقنا نتسامر ونتشاجر احياناً نتجول سوياً في ازقة بغداد القديمة يروي لنا تاريخ كل زقاق مع ذكرياته فيها كنا نسافر سوياً باستمرار نخوض المغامرات نتجول في الاسواق كان لا ينام في السفر ابدا ويوبخني عند نومي قائلا استمتعي بالمناظر الجميلة كان موسوعة اي شيء اسأله كنت اجد جوابا دقيقا وتفصيليا كنت ومنذ طفولتي اشعر بالفخر بوالدي وكلما شاهدت احدى الفتيات متباهيه بوالدها اشعر ان ابي افضلهم والدي كان نموذج فريد من الإبداع والنشاط والتواضع والعصامية والاعتزاز بالنفس تركيبة تجمع الحكمة والنضوج والروح المتجددة والاقبال على الحياة كانه في عنفوان الشباب في سنواته الاخيرة في جديدة الزمان كان يواجه صعوبة المشي والاتزان لكنه وبرغم ان راتبه وبتوجيه من الدكتور احمد عبد المجيد كان يصرف كاملا وبدون ان يذهب للجريدة الا انه كان يرفض الجلوس في البيت ويصر ان يذهب الى عمله كان يذهب باكرا ويغادر متأخرا  لا يتأخر في تقديم المساعدة مخلص جدا لصداقاته كان له اصدقاء منذ طفولته ولغاية وفاتهم مع زيارات لا تنقطع منهم المترجم والاديب محمد حسين غيبي والمؤرخ حميد المطبعي والبروفيسور عبد الاله الصائغ وصداقته القوية بزوج ابنته وجدان الدكتور صبري مسلم وغيرهم ومن المفارقات ان له صديق توفي في تركيا وكان يردد باستمرار اخاف ان اموت في تركيا كما توفي اسماعيل الربيعي وفعلا توفي كما توفي صديقه كان ابي يحث على الخلود كان يقول باستمرار اننا يجب ان نعمل لنخلد ما معنى ان يعيش الانسان ويموت وان لا يبقى له اي ذكر يجب ان نعمل وننجز لنخلد وكان يخطط ان يتفرغ لتأليف الكتب والدراسات وكتابة الشعر الذي هو موهبته الاولى والتي ضمرت في معترك الصحافة كان يطمح ان يخلد وان لا ينتهي ذكره بوفاته كانت نواياه قوية ومباركة حيث انه وبعد مرور اربعة سنوات من وفاته كانه لم يمت كلما بحثنا في كوكل وجدنا مواقعا عراقية وعربية كالمغرب والجزائر ومصر وغيرها وجامعات مهمة تنشر كتبه كمرجع في مكتباتهم الإلكترونية خصوصا كتبه في الطبقة العمالية حيث انه كان المؤرخ العمالي الوحيد تقريباً في العراق ومن ضمن القلائل على الصعيد العربي بالإضافة الى كونه ناقد ادبي متمكن وصحفي مخضرم حيث كانت من ضمن اختبارات كلية الإعلام سابقا ان الطالب مان يسأل هل قرأت شيئاً لرزاق لم لا ، حيث ان والدي كان من ابرز الكتاب في جيله كان شاعراً متميزا ولكنه لم يكن يجد الوقت الكافي لكتابة الشعر الذي كان متعته الاولى اخذته الصحافة حيث انه كان يعتاش بالكتابة كان يرتجل الشعر ارتجالا وكان من يتصل بنا هاتفياً يستمتع بأبيات باسمه يرتجلها له فوراً لي احاديث وذكريات كثيرة تحاكي وجه ابي ...


مشاهدات 422
الكاتب رباب رزاق ابراهيم حسن
أضيف 2024/06/01 - 12:31 AM
آخر تحديث 2024/09/26 - 11:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 148 الشهر 38705 الكلي 10027327
الوقت الآن
الجمعة 2024/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير