الهند .. إيران .. العراق.. بين علاقات الجوار والصداقة
عكاب سالم الطاهر
في حوار تلفزيوني ، أشارت الاديبة العراقية أمل الجبوري ، الى مصطلح (القدر الجعرافي) . ومن سياق حديثها ، نستنتج ان الجبوري تقصد بان الجوار بين الدول هو قدر فرضته الجغرافيا وعلى الدول المتجاورة ان تتعامل مع هذا القدر وما يفرضه من متطلبات ، تعاملاً موضوعياً . توقفت ملياً عند مصطلح (القدر الجغرافي) وبقي حاضراً في ذاكرتي وأوراقي .
في العاصمة الهندية
ولم يكن الاقتراب من موضوعة (الجوار) عامة ، والجوار بين الدول خاصة ، مقتصراً على مشاهدتي واستماعي لتلك الندوة التلفزيونية ، وهو ما دعاني لقراءة بعض اوراقي ، واستدعاء بعض ملفات الذاكرة . وفي تلك الاوراق قرأت :
عام 1978 ، شاركت في ندوة فكرية – سياسية ، عقدت في العاصمة الهندية ، نيودلهي ، في نيسان من ذلك العام . كانت الهند بلداً مضيفاً . اما المنظمون فهم (الكوريون الديمقراطيون) اذا استخدمنا التوصيف السياسي أو (الكوريون الشماليون) اذا استخدمنا الجغرافيا . في حينها كانت العلاقات العراقية الايرانية تمر بفترة من الهدوء الحذر ، بعد سنوات من التوتر بدأت عام 1969 ، بين العراق ونظام الشاه لتنتهي – ظاهرياً – في (6/آذار/1975) حيث وقع النظامان العراقي والايراني ، اتفاقية الجزائر .
الجار والصديق
وعلى هامش هذه الندوة الفكرية الدولية ، كنا في حلقة نقاشية مع عدد من الاصدقاء الهنود حول علاقات الجوار وبالذات العلاقات العراقية الهندية ، وامتد النقاش ليشمل العلاقات العراقية الايرانية . كان كلام الاصدقاء الهنود مقترناً بالحرص على علاقات جوار حسنة بين العراق وايران . ومن بين المشاركين في النقاش ، كان صحفيون ورجال اعمال يبحثون عن بيئة آمنة لاستثماراتهم . واتذكر ان شخصية هندية تحدثت عن هذا الموضوع ، مؤكدة ضرورة علاقات حسن جوار مستقرة بين العراق وجيرانه . وأطلقت هذه الشخصية جملة مفيدة لفظتها باللغة الانكليزية ، ونصها : You can choose a friend but you can not choose a neighbor
وترجمتها : بأمكانك ( والمخاطب هنا الدولة) ان تختار صديقاً ، ولكن ليس بأمكانك ان تختار جاراً ) . انه قدر جغرافي شئنا ام ابينا . ذلك ان الدولة ، اي دولة في العالم ، تستطيع ان تختار دولة اخرى صديقة لها ، بغض النظر عن البعد او القرب الجغرافي ، انه قرار سيادي يخص بلدين ، كمعاهدة الصداقة العراقية – السوفيتية ، او معاهدة التعاون الستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية . بوضوح نقول ان اختيار (الدولة – الصديقة) قرار ثنائي ، وهو اختيار حر . لكن اختيار (الدولة – الجار) لا مجال فيه للارادة او الحرية . انها حقيقة ماثلة ووضع جغرافي تاريخي ، لا يصح ولا يمكن نكرانه . شائت دولة ما أم ابت.
لذلك ينبغي التعامل بدقة وموضوعية وحرص مع الدولة الجار . لكن الحرص على علاقات الجوار الحسنة ، ينبغي الا يكون من جانب واحد ، بل لابد ان يكون ثنائياً .