لو أردنا أن نحصر الكم الهائل من الاختلافات والخلافات التي تحدث بين البشر بسبب اختلاف المناهج والأساليب التي تتوزع بين المثالية والواقعية، بوعي أو دون وعي، لما تمكنا!!
جميعنا ينسى أحياناً كثيرة، أو يتناسى اختلاف وجهات النظر تبعاً لاختلاف الموقف المثالي عن الموقف الواقعي.
بيد أن الأمر لا يقتصر على تلك المسألة فحسب، وإنما يكون متأثراً بعوامل كثيرة أخرى، سنأتي الى الإشارة اليها.
والمثالية، كما يعرف البعض وكما جاء في الموسوعة الحرة ويكيبيديا، بأنها “سمة شخصية يسعى صاحبها للكمال والخلو من العيوب والقصور، ويهدف الى تحقيق انجازات كاملة”. هذا الكمال في فلسفته ودوافعه وغاياته يختلف بين البشر بحسب ما يعتقدونه ويؤمنون به، أو بسبب طبيعة القيم والعادات الاجتماعية والثقافية السائدة.
أما الواقعية فاني استطيع القول بأنها موقف الإنسان في الحياة حسب ما هو كائن في العالم وما يدور فيه، وليس كما ينبغي له أن يكون وفق فلسفة ورؤية خاصة وموقف محدد.
هذه الاختلافات في الفلسفة والرؤية والمنطلق تجعل من المثالي أسير ما يؤمن له ويصر على صحته ويسعى الى تحقيقه، اقناعاً وأحياناً حتى إكراهاً، ناجحاً تارة، ومخفقاً تارة أخرى ليعيش الاحباط والقلق والحزن.
كما أنها تجعل من الواقعي وتدفعه للتعامل مع حقيقة وما هو قائم في الحياة، أي انه يتعامل مع معطياتها كما هي وليس كما ينبغي لها من وجهة نظره المحددة.
وهنا يبدأ الاختلاف الذي سرعان ما يتحول الى خلاف بين المثالي والواقعي، والأخطر فيها هو أن كلاهما لا يهتدي الى أن سبب الاختلاف والخلاف هو ما يختلف فيه الاثنان من منهجية تفكير ومنطق وغاية، ناهيك عن المصالح والسجايا النفسية والانتماءات السياسية والمنحدرات الاجتماعية والمعطيات الثقافية.
من هنا قامت مدارس مختلفة في الفن والأدب والسياسة بوصفها طرق وأساليب تعبير ودروب تحقيق لأهداف مختلفة.
لقد قاد ذلك الاختلاف في الرؤية والمنهج والطريق الى مشاحنات وتناحرات، والى حوارات ونقاشات طرشان لا يفهم البعض بعضه الآخر.
برلين، 19.04.2024