المقاهي التراثية البغدادية بين الأصالة وآفاق الحداثة

بغداد - محمد بهجت ثامر

تحتل المقاهي الشعبية مكانة بارزة في الحياة الاجتماعية البغدادية منذ بداياتها مطلع القرن العشرين، اذ انتشرت في شارع الرشيد بمنطقة الحيدر خانة العديد من المقاهي التراثية الشعبية منها (الزهاوي ، ام كلثوم ،الشهابندر ،حسن عجمي ،غازي ، والاسطورة ) واصبحت ظاهرة ثقافية حيث اللقاءات اليومية بين الصحفيين والادباء والشعراء وكانت تلك المقاهي منابر للعلم والأدب وتناقل علومها ثلة من المثقفين، وأسهمت في تغيير بعض السياسات والواقع مثل انطلاق المظاهرات من أمامها أو التنديد بقرارات البرلمان وقتها.

مقاه تراثية

ولا تزال العديد من المقاهي التراثية تفتح أبوابها حتى هذا اليوم، مثل مقهى الزهاوي والذي يعد من بين أقدم المقاهي التراثية في العراق حيث كان يتواجد فيه الشاعر جميل صدقي الزهاوي باستمرار وكان المقهى قبلة للعديد من الشخصيات البارزة وقتها، أمثال رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد وجعفر أبو التمن، اذ كان ملتقى من أدوا ادوار وطنية في تاريخ العراق منهم شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري  في قراءة قصائده الوطنية في خمسينيات القرن الماضي  فضلا عن ابرز أفراد النخبة الثقافية الوطنية العراقية امثال الدكتور علي الوردي ومحمد بهجت الاثري وعلي الشرقي وبدر شاكر السياب  وللمقهى ذكريات منهى استقبال شاعر الهند طاغور  والاديب المصري عباس محمود العقاد كما كان الرصافي يلقي قصائده الوطنية والتي تتحول الى مظاهرات وطنية كما كان منتدى للنقاشات الأدبية والثقافية التي يشارك فيها نخبة المجتمع العراقي، اما مقهى ام كلثوم والذي اكتسب الاسم بعدما تواجدت به كوكب الشرق في بداياتها مطلع ثلاثينيات القرن الماضي  بعدما غنت في فندق الهلال القريب من المقهى ومن رواده في السابق محمد القبانجي ويوسف عمر وحسين الاعظمي وحقي الشبلي وجواد سليم وممثلين ورياضيين وصحفيين ومن عامة الناس وجميعهم كانوا  من عشاق كوكب الشرق ،فالمقهى مليئ بصورها حيث تغطي جدرانه وكأنه متحف صغير يمثل مشوارا لمراحل حياتها ، اما مقهى حسن عجمي فكان السياب يجلس فيه باستمرار مع بعض الشعراء الشباب وقت ذاك كالشاعر عبد الرزاق عبد الواحد والشاعر بلند الحيدري وغيرهم ، ما اثار اهتمامي في كتابة المقال هو مطالبة صاحب مقهى الشهباندر باعفاء المقهى من أجهزة الدفع الالكتروني لكونه مقهى تراثي ويحاول المحافظة على التراث وابعاد الحداثة اذا لا يوجد فيه (رواتر) لتوفير الشبكة العنكـــــــــبوتية وذلك للمحافظة على التقاليد التراثية القديمة ، لذلك أطالب وزارة الثقافة بضرورة الاهتمام بتلك المقاهي وحمياتها من ادخال الحداثة  دون الاكتراث لأصل معنى التراث، لانها تمثل صورة مصغرة عن طبيعة الحياة البغدادية القديمة.