التعليم المسرّع .. نظام واعد
حاكم الشمري
يمثّل التعليم المسرّع في العراق إحدى أهم المبادرات التي ظهرت بهدف معالجة مشكلة التسرّب الدراسي وتراجع نسب الالتحاق بالمدارس خلال السنوات الماضية. هذا النظام، الذي يستهدف الفئة العمرية بين العاشرة والثامنة عشرة ممن فاتتهم سنوات دراسية بسبب النزوح أو الفقر أو الظروف الاجتماعية، يشكل اليوم محطة أساسية في الجهود الحكومية للحد من الأمية وإعادة دمج المراهقين في المسار التعليمي.
أن التجربة قائمة على جهد كبير يبذله عدد من الكوادر التربوية، إلا أنها لا تزال تعاني ضغوطًا واضحة تتعلق بكثافة العمل وضغط المناهج ونقص التجهيزات، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على مستوى الطلبة. يتميز هذا النظام بكونه يختصر سنتين دراسيتين في عام واحد، الأمر الذي يمنح المتعلّم فرصة لتعويض سنوات فاته خلالها التعليم. وقد أكّد لي عدد من المشرفين أن البرنامج نجح بالفعل في إعادة آلاف الطلبة إلى مقاعد الدراسة، وأسهم بتقليل نسب الأمية في عدد من المحافظات، خصوصًا تلك التي تعرضت لنزاعات أو أزمات اقتصادية.
كما لمست وجود محاولات حقيقية لتوفير دعم نفسي واجتماعي للطلبة الذين مرّوا بظروف قاسية، سواء عبر جلسات إرشاد أو عبر تعامل خاص يأخذ بنظر الاعتبار الفجوات التعليمية لديهم.
لكن في المقابل، برزت أمامي مجموعة من التحديات التي تواجه هذا النظام وتحدّ من فاعليته؛ أبرزها ضغط المناهج التي تبدو أكبر من قدرة بعض الطلبة على الاستيعاب، إضافة إلى النقص الواضح في الكوادر المتخصصة القادرة على التعامل مع طلاب يختلفون في أعمارهم ومستوياتهم المعرفية. كما لاحظت تفاوتًا بين المحافظات في مستوى التجهيزات والبنى التحتية، حيث تعمل بعض المدارس في مبانٍ ضيقة أو غير مجهزة، وهو ما يعوق توفير بيئة تعليمية مناسبة، ويجعل نجاح التجربة مرتبطًا إلى حدّ كبير بجهود فردية لا بمنظومة متكاملة.ويرى مسؤولون في الوزارة أن تطوير التجربة ممكن عبر تدريب المعلمين تدريبًا متخصصًا ينسجم مع طبيعة هذا النظام، وتخفيف ضغط المناهج وإعادة إعداد المحتوى بشكل مبسّط لا يفقد جوهره العلمي. كما يرون أن تحسين البنى التحتية وتوفير قاعات مناسبة ووسائل إيضاح حديثة سيُحدث نقلة كبيرة في نتائج الطلبة، إلى جانب تعزيز التعاون مع منظمات دولية مثل اليونيسف التي أسهمت سابقًا في دعم برامج التعليم غير النظامي في البلاد. إن التعليم المسرّع، كما بدا لي، ليس مجرد برنامج دراسي مكثّف، بل نافذة أمل حقيقية لآلاف الأطفال والمراهقين الذين كادت ظروفهم أن تبعدهم نهائيًا عن مقاعد الدراسة. ورغم التحديات، فإن تطوير هذا النظام وتوفير الدعم الكافي له يمكن أن يجعله واحدًا من أكثر البرامج نجاحًا في إعادة بناء مستقبل جيل كامل، إذا ما توفرت إرادة جادة لتحويل التجربة من حلّ مؤقت إلى مشروع تربوي مستدام.