حينما تسقط الأوراق

نبراس المعموري

لطالما استوقفتنا تلك الأوراق الصفراء في فصل الخريف، وهي تُنذر بقدوم شتاء طالما افتقر في مواسم عديدة إلى غيثه. استحضرتُ أوراق الخريف وأنا أسترجع كمّ الأوراق التي تساقطت خلال مسيرتنا الحياتية، وكيف تعددت عناوينها بين السياسة والاجتماع والاقتصاد وحتى الروحانية. بعد الانتخابات، لم أجد وصفاً أدق لتلك الأوراق المتساقطة من أوراق الانتخابات التي ارتهنت، وبشكل واضح، للمال السياسي في محاولة للبقاء وكسب المزيد من النفوذ. ورغم قناعتي بأن أوراق الانتخابات كانت ضعيفة أمام قوة المال، إلا أن ذلك لا يُلغي وجود خيط رفيع من التغيير رفع شعار الإعمار والبناء رغم قسوة الظروف. إن أوراق الانتخابات لا تختلف كثيراً عن أوراق حياتنا، فهي جزء من أوراق خريفنا بمواسمه المناخية والعمرية. وهنا يبرز السؤال: إذا كانت أوراق الانتخابات قد ارتهنت للمال، فإلى أي ركيزة ارتهنت أوراق مواسمنا وأعمارنا؟ هل اخترنا تلك الركائز بأنفسنا؟ أم فُرضت علينا؟ أم أننا تهنا في زحام الحياة حتى نسينا أن نسأل هذا السؤال؟

شجرة خاوية

في حديثي مع إحدى الصديقات قالت لي إن سذاجة تربيتنا جعلتنا نخشى طرح السؤال، وجعلتنا نرتضي تهاوي أوراقنا واحدة تلو الأخرى، بإرادتنا أو رغمًا عنا، حتى وصلنا إلى شجرة خاوية تنتظر النجاة أمام رياح قد تعلن هجومها في أي لحظة. ومع تسارع المتغيرات رقمياً وأمنياً واجتماعياً، أجد أن أوراق الخريف أخذت منحى آخر يختلف عمّا شعرنا به جيلنا، لأن كثيرين اليوم من الجيل الجديد استطاعوا طرح السؤال الذي غاب عنّا، ونحن نمضي في العمر دون أن نجمع أوراقنا على نحو يضمن لنا حياة أكثر صفاء، بعيداً عن الضوضاء والتدخلات والاستفهامات تحت باب الممنوع والعيب التي كانت الحاكم والحَكَم. لا أريد أن أبدو متشائمة، لكن علينا الاعتراف بأن أوراق الخريف قد تصبح أجمل شجرة إن عرفنا كيف الحفاظ عليها من السقوط أمام رياح قد تكون مدفوعة برغبة الآخر في أن يكون هو الحاكم والمحتكم. أخيراً، فلننتخب من أوراق الخريف حياةً أفضل مزينة بتلك الألوان التي يمكن أن تشكل اجمل لوحة، ولنمنح ورقتنا بصمة تستطيع أن تضاهي تلك العناوين التي خدعنا أنفسنا طويلاً بأنها الأفضل عبر مسيرة ذلك الماضي .