فازوا وربّ الكعبة
فاتح عبدالسلام
فازوا.. فازوا.. فازوا،
ونالوا الصدارة في مجلس النواب العراقي، وتحققت المفاجآت والتنبؤات والترجيحات والمنغصات، ولم تذهب المليارات المصروفة هدراً فقد جلبت لهم الحظ، والبخت، والطالع، والنازل.
لكن هناك ملايين العراقيين، من الذين شاركوا في الاقتراع او قاطعوه، لا يزالون يقولون كما في كل دورة، لقد فاز الفائزون، ولكن لم يفز قطاع السجون وظلمات الزنازين التي لا تزال تضم ضحايا المخبر السري والتقارير الكيدية والاتهامات التي صارت اعترافات بالإكراه.
فازوا هؤلاء ونالوا الألقاب مجددا، ولكن لم يفز قطاع الصحة الذي لا يقوم لبلد قائم من دونه، وبلدنا يتخبط في هذا المجال والمستشفيات تحت رحمة القطاع الخاص العبثي والمواطن تنقص سنوات عمره الشحيحة أصلا في طلب علاج مجاني لا يناله.
فازوا وستزداد اعداد حواشيهم وهوامشهم وحقولهم ومواشيهم وقصورهم وحماياتهم وأرصدتهم، ولكن لم تفز الكهرباء التي باتت عنواناً مخجلاً من عناوين بلادنا في عشرين سنة.
فازوا.. فازوا.. فازوا، ولكن لم تفز كما في كل مرة، المطالبة القانونية بالكشف عن ثروات المسؤول قبل المنصب وفي اثنائه وبعده، بل يكاد يندثر شعار من أين لك هذا، وباتوا يحتمون منه بشعار وقائي مقدس ينسجم مع العمائم، هو ” هذا من فضل ربي”
فازوا.. فازوا.. فازوا، وهناك آلاف من الشباب العراقي، عوائل كاملة احياناً، جرى رميهم في نهر دجلة، ومذيل اعلان موتهم بجملة” الجميع مشتركون في اعدامهم”، لكنها جملة محبوسة بين أربعة جدران أطلقها سياسيون علناً في التلفاز بعد مغادرة ذلك الرئيس الذي أبلغهم بها وصار خارج البلاد.
فازوا.. فازوا.. فازوا، وعراقيو الخارج ستة ملايين نسمة غير مشمولين بالتعداد العام للسكان، ولعل الُمسمى وزير التخطيط لم يسمع بوجودهم من قبل، ونراهم يراجعون لنيل البطاقة الموحدة مثل الشحاذين على أبواب السفارات شهورا طويلة وقد ينالونها او تحول بينهما موج النسيان والغبن والبيروقراطية.
فازوا ويفوزون وسيفوزون مرّة ومرتين، وجواز سفرنا في الذيل، وعملتنا في الذيل وجامعاتنا في الذيل، ونظافة يد المسؤولين في الذيل، وغلبت على لغتنا وهواجسنا تلك الذيول ومن بعدها ذيول وذيول .
فازوا.. فازوا.. فازوا، بعد أن طمست معالم سرقة القرن وتوزعت دماؤها على القبائل السياسية في الليل البهيم.
فازوا.. فازوا.. فازوا، ولكن أكثر من خمسة وأربعين مليون عراقي لم تذق ألسنتهم وقلوبهم طعم الفوز.
لقد فازوا ورب الكعبة.