الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ميثاق النجاة.. هل نعلّق العهد على أستار الكعبة؟

بواسطة azzaman

ميثاق النجاة.. هل نعلّق العهد على أستار الكعبة؟

إسماعيل محمود العيسى

 

بعد أن تهدأ صفارات الإنذار، وتسكن أصوات الصواريخ، وتنسحب الجيوش إلى قواعدها، يبقّى في الميدان سؤال واحد ومفصلي: وماذا بعد؟

هل تستأنف الشعوب العربية والإسلامية حياتها على وقع الهزائم المؤجلة والانقسامات المزمنة؟ أم آن الأوان أن تكتب سطرًا جديدًا في دفتر التاريخ، سطرًا يبدأ من الكعبة، وينتهي في القدس، مرورًا بطهران والرياض وبغداد ودمشق والقاهرة وصنعاء والخرطوم والدوحة وأنقرة وكابول؟ الصراع الأخير بين إيران وإسرائيل لم يكن حدثًا منفردًا بين دولتين، بل ارتدت ارتداداته على عمق العالم الإسلامي بأسره، وتأثرت به عدة دول عربية وإسلامية، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال تداخل الملفات، وتشابك الجبهات، وتوظيف الأزمات في معادلات النفوذ الإقليمي والدولي، مما يجعل من الضروري إعادة النظر، ليس فقط في التحالفات، بل في منطق العلاقة بين الدول الإسلامية فيما بينها.

خطابات متقاطعة

هذا الصراع، وإن بدا في ظاهره ناتجًا عن قضايا أمنية أو استراتيجية، إلا أن حقيقته تكشف عن خلل أعمق في منظومة العمل الإسلامي المشترك، وغياب مشروع جامع يُنقذ الأمة من التشرذم، والخطابات المتقاطعة، والتدخلات المتبادلة.

لم يعد الخطاب التقليدي، الذي يتحدث عن “الأخوة الإسلامية”، كافيًا. الشعوب أنهكتها الخيانات، والدماء، والتجاذبات الإعلامية،  آن الأوان لخطوة جريئة وتاريخية، تُعلّق على أستار الكعبة، لتكون نقطة البدء في مشروع مصالحة شاملة وجدية.

ميثاق شرف عربي-إسلامي يُوقّع عليه ممثلو الدول الإسلامية من مختلف الطوائف والمذاهب والاتجاهات، وتشارك فيه المرجعيات الدينية الكبرى؛ من الأزهر إلى النجف إلى قم وهيئة كبار العلماء، ودور الإفتاء، والمنظمات الفكرية والمجتمعية المستقلة والحيادية، ليكون أول عهد مكتوب: لا للحرب بين المسلمين بعد اليوم. يرتكز هذا الميثاق على سبعة أعمدة واضحة وملزمة:

أولًا: تحريم الاقتتال الداخلي بين المسلمين تحت أي غطاء مذهبي أو سياسي.

ثانيًا: تجريم الخطاب الطائفي في المنابر، والإعلام، والمؤسسات الدينية والسياسية.

ثالثًا: التزام الدول بعدم دعم جماعات مسلحة خارج حدودها، تحت ذرائع مذهبية أو قومية.

رابعًا: إصلاح الإعلام العربي والإسلامي، ليكون منصة لبناء الجسور، لا لهدمها.

خامسًا: تبادل الاعتراف بالمذاهب الإسلامية كافة، كمذاهب فقهية معتبرة، لا يجوز تكفيرها أو التحريض ضدها.

سادسًا: تشكيل محكمة إسلامية عليا للمصالحة وفض النزاعات، تتخذ من مكة أو المدينة مقرًا دائمًا لها.

سابعًا: التزام الدول، والمناهج التعليمية، بالتربية على ثقافة المصالحة والوحدة.

مؤتمر مكة

لابد من وضع خارطة طريق قابلة للتنفيذ، خلال اثني عشر شهرًا، تبدأ من “مؤتمر مكة للمصالحة”، يتبعه شهر لتهدئة إعلامية شاملة، بإغلاق المنابر التحريضية، وتعديل الخطاب الرسمي والديني، ثم إعلان الالتزامات السياسية والدبلوماسية المتبادلة، وتنطلق بعدها لجان المصالحة الوطنية نحو الدول الممزقة بفعل النزاعات، مثل اليمن والعراق ولبنان والسودان، وتُطلق مبادرة تعليمية موحدة، تُركّز على القيم الإسلامية المشتركة، وأخيرًا؛  تُعقد قمة كبرى تُعلن بداية المرحلة الجديدة من التعاون الإسلامي.

الإعلام، في هذا السياق، يجب أن يتحول من أداة للاستقطاب، إلى وسيلة لصناعة السلام، إذ لا بد من سنّ ميثاق إعلامي عربي-إسلامي مشترك، وتدريب الإعلاميين على الخطاب التكاملي، ومحاسبة كل صوت ينشر الكراهية، أو يشكك في الانتماء الديني للمخالف.

لقد آن الأوان أن ننتقل من منطق المحاور، إلى منطق الأمة، ومن منطق المناكفات، إلى منطق البناء الجماعي، ومن المصالح الضيقة، إلى المصير الواحد.

إذا كان المسلمون قد بدؤوا تاريخهم من غار حراء، فربما آن الأوان أن يبدأوا تاريخ نجاتهم من أستار الكعبة، ذلك المكان الذي تُحرم فيه الدماء والعداوات؛ فكيف لا يُحرّم فيه الكذب، والخيانة، والتآمر، والفرقة؟

كفانا مؤتمرات بلا توقيع، ومصافحات بلا التزام، ليكن أول اجتماع حقيقي يُوقّع بمداد الصدق، ويُشهد الله عليه، وتُعلّق نُسخته بين يدي الكعبة.

ولعل هذا يكون “ميثاق النجاة” الذي يُنقذ ما تبقى من هذه الأمة، قبل أن يُعلّق الجميع على مشنقة التاريخ.

 


مشاهدات 70
الكاتب إسماعيل محمود العيسى
أضيف 2025/06/25 - 3:16 PM
آخر تحديث 2025/06/26 - 7:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 169 الشهر 16143 الكلي 11150797
الوقت الآن
الخميس 2025/6/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير