الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإنتخابات .. في مئة عام

بواسطة azzaman

الإنتخابات .. في مئة عام

رعد البيدر

 

خلال قرن كامل من الزمن شهد العراق سلسلة من الانتخابات النيابية عكست تحولات نظامه السياسي وتقلّبات تجربته الديمقراطية. بلغ عدد الانتخابات في العهد الملكي سبع عشرة دورة، أولها عام 1925 وآخرها عام 1958. وعلى الرغم من انتظامها شكلاً، إلا أن معظمها اتسم بتدخل الحكومة لضمان فوز مرشحيها وتوجيه نتائجها بما يخدم مصالح السلطة، مما جعل الممارسة الانتخابية أقرب إلى إجراءٍ بروتوكولي منها إلى عملية ديمقراطية حقيقية.

أما في عهد الجمهوريات الثلاث بين عامي 1958 و2003، فلم يشهد العراق انتخابات برلمانية تتوافر فيها مقومات التنافس الحزبي الفعلي. أجريت أول انتخابات في 20 حزيران 1980 اسفرت عن تشكيل المجلس الوطني العراقي الذي ضم 250 مقعد ،تلاها ثلاثة انتخابات اقتصر فيها الترشح على شخصيات من الحزب الحاكم وشخصيات من الجبهة الوطنية والقومية التقدمية و مستقلون. بذلك بقيت صناديق الاقتراع وسيلة شكلية أكثر من كونها تعبيراً عن إرادة شعبية حرة. بعد الغزو الأمريكي واحتلال العراق عام 2003 ، بدأت تجربة جديدة في الحياة السياسية والتشريعية. ففي كانون الثاني 2005 أُجريت انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية، وسط مقاطعة سُنيَّة واسعة.

ثم تلتها انتخابات كانون الأول من العام نفسه، ترسخت خلالها الحملات الطائفية وأسس المحاصصة السياسية، فأخّرت تشكيل أول حكومة دستورية دائمة. وفي آذار 2010 أفرزت الدورة الثانية نتائج متقاربة أدت إلى أزمة ائتلافية طويلة ومعقدة.

دورة استثنائية

أما انتخابات نيسان 2014 فقد تزامنت مع سقوط الموصل تحت سيطرة داعش، فكانت دورة استثنائية انتهت بتشكيل ما سُميَّ بحكومة « إنقاذ وطني» لمواجهة تنظيم داعش. وجاءت انتخابات أيار 2018 لتعكس إحباطاً شعبياً واسعاً، انتهى باندلاع انتفاضة تشرين. أخيراً، شهد تشرين الأول 2021 انتخابات كانت الأدنى مشاركة في تاريخ البلاد، وأدت إلى أطول أزمة دستورية عرفها العراق المعاصر.لا توجد إحصائيات تخلو من الشك ، فالمفوضية العليا للانتخابات تُعلن أرقماً ، وجهات أخرى تعلن أرقاماً أقل بكثير؛ لذا سنكتفي بالإشارة دون الدخول بتفاصيل الأرقام.  يرى مراقبون أن الانتخابات بعد عام 2003 جرت تطبيقاً لما يسمى بالديمقراطية «المُسلفنة»، أي المستوردة شكلاً دون استيعاب جوهرها وآلياتها. فبدلاً من أن يكون التنافس على أساس البرامج والسياسات، غلب عليه طابع الأزياء والهويات المتعددة: العمامة والسدارة والعقال والزي المدني والمحجبة والسفور. في هذا المشهد المختلط، اجتمع المتناقضون دون أن تتبلور رؤية وطنية موحدة، وبرز من يجيد الخطابة والظهور الإعلامي إلى جانب آخرين يفتقرون إلى الكفاءة والخبرة، فازدادت الهوة بين المواطن ومؤسسات الدولة عمقاً واتساعاً.

وفي ظل الإخفاقات المتراكمة، يتفق المراقبون على أن أول مطلب للدورة الانتخابية القادمة هو استعادة الثقة المفقودة بين الناخبين والعملية السياسية، من خلال حملات تركز على برامج اقتصادية واقعية، ووضع خطط لمكافحة الفساد في مقدمة أولوياتها، بدلاً من تغذية الانقسامات الطائفية، أو تكرار الشعارات الفضفاضة.

 

يراهن بعض مواطني الداخل والخارج على صعوبة قدرة الدورة المقبلة لفرز برلمان مستقر وفاعل، قادراً ليُمهد ببناء دولة مؤسسات، تطبق إصلاحات حقيقية، وتحسن الخدمات العامة، وتحصن القرار الوطني من التدخلات الخارجية.

ما يُرصد في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي يشير إلى أن الوقت الفاصل بين كتابة المقال والانتخابات القادمة غير كافي لإحداث تحوّل ملموس . فما تزال الخطابات الانتخابية تميل إلى المبالغة والوعود غير القابلة للتنفيذ. وغالباً ما يَعِد المرشحون بمشاريع تتجاوز صلاحياتهم التشريعية، مما يكرّس النمط التقليدي من الخطاب الشعبوي. وقد اكتوى الناخب العراقي بتجارب متكررة ووعود سرعان ما تتلاشى بعد يوم الاقتراع، فترسّخت لديه قناعة بأن كثيراً من الحملات ليست سوى دعاية مؤقتة لا تستهدف أكثر من كسب الأصوات.

إن استمرار النهج الذي اشرنا إليه يهدد بإعادة التوتر على غرار الأزمات السابقة، ويزيد من تراكم خيبات الأمل في الشارع العراقي. لذا فإن إنجاح التجربة الديمقراطية المقبلة يتطلب وعياً مجتمعياً وسياسياً مشتركاً، يُعيد بناء العلاقة بين الناخب والمنتخب على أسس الثقة والمساءلة، لتتحول الانتخابات من ساحة لتقاسم النفوذ إلى أداة حقيقية لبناء مستقبل أكثر استقراراً وعدلاً للعراق وشعبه.

 


مشاهدات 32
الكاتب رعد البيدر
أضيف 2025/11/08 - 12:40 AM
آخر تحديث 2025/11/08 - 3:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 91 الشهر 5123 الكلي 12366626
الوقت الآن
السبت 2025/11/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير