فرصتهم الضائعة
فاتح عبدالسلام
العراقيون لم يعودوا بحاجة للتغذية من السوق الاستهلاكي السياسي كما كانوا في العقود الماضية. ذلك انّ تداول المعلومات والحقائق بسرعة البرق بات أسلوب حياة لصنع قناعات لا تمحوها اية برمجة تعبوية سياسية.
من هنا، لا حاجة للعب مع الولايات المتحدة بطريقة قديمة ساذجة تشبه لعبة القط والفأر، في عرض قابل للمشاهدة الواضحة من الجيران. عقدة الإحساس بأن حكام البلد مضغوطون من واشنطن وهمية ولا أساس لها من الصحة، فلا توجد نقاط خلافية بين بلد محدود الإمكانات ومستنزف وسيء السمعة بالفساد وأعظم دولة في العالم. لا أقول هذا الكلام دعاية للأمريكان الذين أرى فيها ابطأ خلق الله في القدرة على القراءة السياسية العميقة لوضع العراق، بل لعل انغماسهم في العراق في غزو 2003 جعلهم غير قادرين على التمعن في الصورة واكتشاف نواقصها في الوقت المناسب، لكنهم بلا شك تعلموا كثيرا من تجربتهم مع العراق في خلال اثنين وعشرين عاماً، وان الخطوة التي جادوا بها على البلد بتعيين مبعوث خاص للرئيس الأمريكي جاءت متأخرة، وكان لابد منها منذ العام 2011.
حين يكون للعراق إرادة اقتصادية وسياسية متناغمة وناجحة وطموحة ومتجاوزة للعقد المخزية، يحق له عندئذ مناقشة تفاصيل العلاقة مع الولايات المتحدة التي صنعت العراق الجديد كما صنعت بريطانيا العظمى الولادة الحديثة للعراق منذ 1921.
علينا التحول الى كيان ذاتي البناء والتأثير، وغير قابل للسقوط في التجاذبات الإقليمية والدولية، ومن خلال هذا المسار الوحيد، يمكن ان نقيم علاقات واتفاقات بمعنى «نريد أو لا نريد « مع القوة الأعظم بالعالم.
قدرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتفوقة على اتخاذ القرارات الحاسمة هي العامل الاستراتيجي الذي يجب ان يفيد منه أي حاكم يكون في بغداد، في ظل عوامل معروفة تحيط بالبلد. هذا إذا كان هناك من يعمل ويفكر بالسياسة، أمّا التهريج السياسي والبهلوانيات الشعاراتية من اجل تسويق البضائع الاستهلاكية للجمهور المُطبل والمزمر والمغشي عليه، والمراوغة الباطنية والعيون مشتتة بين الشرق والغرب، فهي ليست اكثر من غثاء سيجرفه السيل المقبل لا محالة..