كلام أبيض
خيِط وخرابيط
جليل وادي
كنت قلت قي مقالات سابقة : مَنْ لا يحرص على جمال مدينته لا يحب وطنه، ومَنْ لا تتساوى نظافة بيته مع نظافة الزقاق المواجه لداره متخلف حد النخاع، ومن لا يجسد تعاليم دينه بتعاملاته اليومية أبعد ما يكون عنه، وان قضى جميع صلواته في المساجد والله أعلم، ومَنْ يضع مصلحته الشخصية فوق مصلحة الجماعة، عليه أن يفهم ان الاسلام وضع الجماعة فوق الفرد، ليس في هذا ما هو جديد، بل هي بديهيات يتكرر ورودها في جميع الأزمنة؟.
خطر ذلك في بالي وانا أتامل الكم الهائل من صور المرشحين التي اكتظت بها الشوارع والأرصفة والجزرات والشاهق من البنايات، وتساءلت : كيف يبني الوطن مَنْ يخرّب الرصيف الذي للتو شيدناه وأنفقنا عليه الطائل من الأموال والطويل من الانتظار ؟، وكيف يحمي الناس من يضع صوره الكبيرة في استدارات الشوارع بما يحجب رؤية السائقين دون أن يتحسب لاحتمال أن تؤدي فعلته الى وقوع حوادث يروح ضحيتها مواطنيه ؟، في الدول التي تحترم الانسان تسّهل مسير الضرير، فتضع شرائط حديدية على الرصيف يتحسسها بعكازه لكي لا يتعرض لخطر، أين هذا من ذاك؟.
وأسأل أيضا لِمَ لا ترفع الجهات البلدية والمرورية الصور التي وضعت في الأماكن غير المناسبة؟، لا جواب عندي سوى ان هذه الدوائر لم تتلق أمرا صارما من جهاتها العليا، ومديروها يخشون من نفوذ القوى التي تقف وراء المرشحين، بتنا نتحسب للأحزاب وأصحاب النفوذ أكثر من القانون، لذا لا تتوقع ارتقاء لواقعنا .
لا أدري كيف يسهم مرشحنا بتجميل مدننا ان كان لا ذوق له بالأصل؟، ننتظر عقودا لنشيد رصيفا، بينما يُخرب كل أربع سنوات استعدادا لعرسنا الانتخابي، لو كان الأمر بيدي لفرضت على كل مرشح زرع أشجار بقدر صوره في مدرسة او طريق او مساحة من الأرض تخصص كحديقة عامة او غابة، تخيلوا كيف ستكون عليه الحال؟. أدرك تماما ان لا تقدم للبلدان ان لم يكن نظامها ديمقراطيا، وأجزم بدون الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة نقع في قبضة الدكتاتورية، كل ذلك نفهمه، لكن ليس لدينا تفسيرا مقنعا لتراجع البلاد في ظل الديمقراطية لعقدين من الزمن، أشك في ايمان السياسيين بالنظام الديمقراطي، وان هدفهم منه الامساك بالسلطة وليس الرغبة بالبناء، لذلك تراهم يتبادلون الاتهامات والشتائم، أحدهم يسقّط الآخر بكل الوسائل بما فيها غير الأخلاقية، ويسخفّون الانجازات التي يحققها المخلصون منهم مع انها مرئية وملموسة على قلتها قياسا بثرواتنا، متى نبتعد في أحكامنا عن الأهواء والرغبات والميول؟.
ابتكر الانسان النظام الديمقراطي لاتاحة الفرصة أمام المواطنين لاختيار الأكفاء المخلصين لوطنهم، وليس الذين بلا خبرات مهنية او حصيلة علمية، او ثقافة عميقة تنير طريقهم . ولو أخضعناهم لاختبارات دقيقة، لرأينا ما هو أغرب من الخيال، فمثل هؤلاء يخربّون الوطن ولا يعمّرونه، فالديمقراطية طريق آمن لتحقيق السلم الأهلي، وليس شريعة للاغتيالات والمناكفات، ولا سبيل للوحدة الوطنية الصلدة من دون نظام ديمقراطي، فالهدف تمتين النسيج الاجتماعي وليس تمييزا طائفيا وقوميا ومناطقيا، يفترض بالديمقراطية صناعة طبقة سياسية همها البناء وترسيخ قواعد الدولة ، وليس الجر بالطول والعرض والمراوحة في المكان حتى صرنا مهزلة في نظر الآخرين، ما أفقدنا وزننا ومكانتنا وأدوارنا في الاقليم والعالم.
فلا تندهشون من صورة مشوهة لنظامنا في أنظار مواطنينا، وانعدام ثقتهم بأغلب السياسيين، لا أظننا بحاجة لاستطلاعات الرأي لتلمس الحقيقة، لذلك لا تستغربوا انخفاض الدافعية للمشاركة السياسية، فاليأس دب في النفوس من امكانية حصول تغيير جوهري بعد ما فات من تجارب، وتوقعاتهم لا تذهب أبعد من تغيير في بعض الوجوه ، وهذا لا يعّدل مسارات متعثرة، ولا يقضي على فساد استوطن في القمة ووصل الى القاع . علينا رفع سقف اشتراطات الترشح، لأن الكثير من المرشحين يفتقدون المؤهلات الضرورية، وان ظلت الحال كما هي عليه، فالأمر ليس سوى (خيِط وخرابيط).
jwhj1963@yahoo.com