الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النفط والسياسة .. من يسيطر على من ؟

بواسطة azzaman

النفط والسياسة .. من يسيطر على من ؟

مرام مازن حاتم

 

يُعد النفط منذ إكتشافه أحد أبرز العوامل التي أعادت تشكيل العالم الحديث ، فهو لم يكن مجرد مصدر للطاقة أو سلعة إقتصادية ، بل أصبح أداة إستراتيجية تحدد موازين القوى وتوجّه السياسات الدولية . ومع دخول عام 2025 ، يبرز النفط مجدداً كعنصر حاسم في رسم خريطة النفوذ بين الدول ، في ظل التحولات الجيوسياسية والإقتصادية والبيئية التي يشهدها العالم . فقد أثبتت الأزمات الأخيرة أن النفط لا يمكن فصله عن السياسة ، وأن العلاقة بينهما لم تعد علاقة تبعية ، بل علاقة تأثير متبادل تزداد تعقيداً مع مرور الوقت. تاريخياً ، لعب النفط دوراً مزدوجاً في السياسة الدولية ؛ فمن جهة ، منح الدول المنتجة نفوذاً سياسياً واسعاً مكّنها من التأثير في القرار العالمي ، ومن جهة أخرى جعلها رهينة للتقلبات السياسية والإقتصادية الخارجية. فقرارات الإنتاج ، سواء بالزيادة أو الخفض، أصبحت تحمل دلالات سياسية أكثر من كونها إقتصادية.  فعندما تتخذ دولة ما قراراً بخفض إنتاجها ، فهي لا تسعى فقط لحماية أسعار السوق ، بل ترسل أيضاً رسالة سياسية إلى قوى دولية أخرى ، تؤكد فيها قدرتها على التأثير في الإقتصاد العالمي.

مصير النفط

وفي المقابل ، لم تفقد السياسة دورها في توجيه مصير النفط. فالعقوبات الاقتصادية التي تفرضها بعض الدول الكبرى على منتجين محددين، أو القيود البيئية التي تفرضها مؤسسات دولية، تُظهر أن القرار السياسي ما زال قادرًا على التحكم في حركة السوق النفطية. كما أن النزاعات الإقليمية، والتحالفات الجديدة بين الدول، والسباق التكنولوجي نحو الطاقة البديلة، جميعها عوامل تعيد رسم الخريطة النفطية من جديد. فالحروب لا تُخاض اليوم بالسلاح فقط، بل أيضًا بقرارات الإنتاج وأسعار البرميل، مما يجعل النفط أحد أدوات الصراع الدبلوماسي الحديثة.

ومع التطور السريع في مجال الطاقة المتجددة ، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، يعتقد البعض أن العالم مقبل على نهاية عصر النفط . لكن الواقع في عام 2025 يؤكد أن هذه النهاية لا تزال بعيدة ، فالعالم ما زال يعتمد على النفط لتغطية أكثر من 70بالمئة من إحتياجاته من الطاقة ، ما يعني أن أي إضطراب في أسواقه سيؤثر مباشرةً على الإقتصاد العالمي. لذلك ، فإن الحديث عن تراجع أهمية النفط مبالغ فيه ، خاصةً في ظل إستمرار الطلب المتزايد من الدول النامية والصاعدة اقتصادياً.

ويظل الشرق الأوسط ، بما يمتلكه من إحتياطات ضخمة ، مركز الثقل في المعادلة النفطية.  فهذه المنطقة لا تكتفي بتزويد العالم بالنفط ، بل تلعب دوراً سياسياً مهماً في إستقرار السوق الدولية.  وقد أدركت العديد من الدول المنتجة في المنطقة أهمية تنويع اقتصاداتها وتقليل إعتمادها الكامل على النفط ، فاتجهت نحو مشاريع تنموية ضخمة وإستثمارات في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة.  هذه التحولات لا تعني تراجع دور النفط ، بل تعكس وعياً سياسياً واقتصادياً بضرورة تحويل الثروة النفطية إلى رافعة للتنمية لا إلى أداة للصراع.بقية المقال على موقع (الزمان)

وفي الوقت نفسه ، تتزايد المنافسة بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا للسيطرة على طرق الطاقة ومصادرها. فالإتفاقيات النفطية لم تعد مجرد صفقات اقتصادية ، بل أصبحت جزءً من إستراتيجية النفوذ العالمي.  فكل دولة تحاول ضمان أمنها الطاقوي عبر تحالفات طويلة الأمد مع المنتجين، في حين تستخدم بعض الدول النفط كأداة ضغط لتحقيق أهداف سياسية محددة. هذه الحالة جعلت من النفط محوراً للعلاقات الدولية ، وعنصراً حاسماً في التوازنات الجيوسياسية.

لكن السؤال الحقيقي في عام 2025 لم يعد يتعلق بمن يسيطر على من ، بل بكيفية إدارة العلاقة بين النفط والسياسة بما يخدم إستقرار العالم. فالرهان الأكبر اليوم هو في إيجاد توازن يضمن مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء ، ويحول دون إستخدام النفط كسلاح سياسي.  والحل يكمن في بناء شراكات طاقوية عادلة ، تقوم على التعاون بدلاً من المواجهة ، وتؤسس لسياسات شفافة في التسعير والإنتاج  ، إلى جانب الاستثمار الجاد في مصادر الطاقة البديلة لضمان مستقبل مستقر ومستدام.

لقد أثبتت التجارب أن الصراع من أجل السيطرة على النفط لا يؤدي إلا إلى الأزمات ، في حين أن التعاون في إدارته يمكن أن يخلق فرصاً إقتصادية ويعزز السلام الدولي . لذلك فإن التحدي الحقيقي ليس في من يمتلك النفط أو القرار السياسي ، بل في من يستطيع إدارة هذه العلاقة بذكاء وحكمة.  فالدول التي ستنجح في تحقيق هذا التوازن ستكون الأقدر على الحفاظ على إستقرارها الداخلي وتعزيز موقعها في النظام العالمي الجديد.

ختاماً، يمكن القول إن العلاقة بين النفط والسياسة في عام 2025 هي علاقة تكامل لا صراع ، وتوازن لا هيمنة.  فكل طرف يحتاج الآخر لتحقيق مصالحه ، ولا يمكن لأيّ منهما الإنفراد بالسيطرة. وما يميز المرحلة الحالية هو أن العالم بدأ يدرك أن النفط ليس عدواً يجب التخلص منه ، ولا سلاحاً يجب إحتكاره ، بل مورداً إستراتيجياً ينبغي إدارته بعقلانية وعدالة لضمان الأمن الإقتصادي والسياسي للبشرية جمعاً.

 


مشاهدات 51
الكاتب مرام مازن حاتم
أضيف 2025/10/17 - 10:39 PM
آخر تحديث 2025/10/18 - 5:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 190 الشهر 11720 الكلي 12151575
الوقت الآن
السبت 2025/10/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير