وداعاً محسن حسين..  الصحافة ضمير وذاكرة وطن

عماد آل جلال

في يوم موشح بالصمت، رحل شيخ الصحفيين العراقيين محسن حسين، بعد أن قضى ما يزيد على سبعين عاماً بين الحبر والورق، يكتب الحقيقة بضميرٍ نقي، ويُعلم أجيالاً أن الصحافة ليست مهنةً فحسب، بل رسالة وضمير وذاكرة وطن.

كان محسن حسين مدرسة في الانضباط، ومعلماً في الدقة، وصوتاً لا يعرف المساومة. منذ أن خطّ أولى كلماته في خمسينيات القرن الماضي، وهو يؤمن بأن الخبر يجب أن يُكتب بصدق، لا بخوف، وأن الكلمة التي تُنشر، إن لم تكن مسؤولة، فهي خيانة للتاريخ. ومع الزمن، صار أحد المؤسسين الأوائل لـ وكالة الأنباء العراقية (واع)، وساهم في بناء منظومة التحرير فيها، ثم انطلق في فضاءات عربية ودولية، حاملاً معه خبرة العراق ومهنيته العالية إلى وكالاتٍ مثل كونا والأنباء الفرنسية.

لم يكن أسيراً للمكاتب، بل عاشقاً للميدان؛ يدخل الأزقة والأسواق والمصانع، يبحث عن القصة بين الناس، يؤمن أن الخبر الحقيقي لا يُصاغ من المكاتب المكيّفة، بل من نبض الشارع وعرق العمّال ودموع البسطاء. ولذلك، بقيت تحقيقاته المبكّرة نموذجاً للجرأة والموضوعية، تقتفي أثر الإنسان لا الحدث فحسب.

ولأن ذاكرة المهنة لا تكتمل إلا بالتوثيق، فقد أمضى سنواته الأخيرة يكتب عن تاريخ الصحافة العراقية، يسجّل ملاحظاته بدقة المؤرخ ووجدان العارف، ويُذكر الأجيال بأن الأخطاء المطبعية ليست أخطر من الأخطاء الأخلاقية في العمل الصحفي.

كان محسن حسين إنساناً قبل أن يكون محرراً، متواضعاً، هادئاً، يختار كلماته كما يختار المصور زاوية الضوء. لم يعرف الضجيج، بل ترك أثره في القلوب والعقول بهدوء الماء، وشفافية الحقيقة.

برحيله، تُطوى صفحة من أنقى صفحات الصحافة العراقية، وتُغلق نافذة من نوافذ الذاكرة المهنية. غير

 أن روحه ستظلّ حاضرة في كل قلمٍ يتوخّى الصدق، وفي كل جيلٍ يحلم بصحافةٍ نزيهة، لا تكتب إلا ما يليق بالعراق وتاريخه.

سلامٌ على قلمك يا شيخ المهنة، وعلى سيرتك التي ستبقى درساً في الوفاء للحقيقة والوطن.