الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحواسيب الكوانتمية ثورة العقل التي ستغير وجه العالم 

بواسطة azzaman

الحواسيب الكوانتمية ثورة العقل التي ستغير وجه العالم 

نوري جاسم

 

في لحظةٍ حاسمة من تاريخ التقنية، تقف البشرية على أعتاب نقلة فكرية وعلمية لا تقل شأناً عن الثورة الصناعية أو حتى ولادة الحوسبة التقليدية. هذه اللحظة تحمل اسم الحوسبة الكوانتمية، وهي ليست مجرّد تطوير للأجيال السابقة من الحواسيب، بل قفزة إلى بُعد مختلف كلياً من التفكير، وإعادة تعريف لما يعنيه أن "نفكر رقمياً". الحاسوب الكوانتمي لا يُعالج البيانات كما تفعل الأجهزة التقليدية، فهو لا يتعامل مع الأصفار والآحاد على نحو خطيّ، بل يوظف قوانين ميكانيكا الكم—تلك النظرية التي حيّرت أعظم العقول في القرن العشرين—ليؤسس لنموذج جديد من القدرة الحسابية التي قد تُحدث تحولات عميقة في كل مجالات المعرفة تقريباً. بدلاً من البت التقليدي الذي يُمثل إما صفراً أو واحداً، نجد الكيوبت الكوانتمي الذي يستطيع أن يكون صفراً وواحداً في آن واحد، بفضل ظاهرة تُعرف بالتراكب، كما أن الكيوبتات يمكن أن تتشابك مع بعضها بطريقة تجعل من المستحيل التنبؤ بحالة أحدها دون معرفة حالة الآخر، حتى لو كان بينهما ملايين الكيلومترات. نحن أمام نوع من الحساب لا يُجري العمليات الواحدة تلو الأخرى، بل يختبر جميع الاحتمالات الممكنة في وقتٍ واحد، ليُقدّم حلولاً لمسائل تعجز عنها أقوى الحواسيب العملاقة اليوم. ولعل من أبرز ما يثير الحماسة والخوف في آنٍ معاً هو قدرة الحوسبة الكوانتمية على كسر أنظمة التشفير العالمية خلال ثوانٍ، وهو ما يهدد بنية الأمن الإلكتروني العالمية ويدفع العلماء إلى سباق محموم لتطوير تشفير مقاوم للكوانتم. لكن هذا الوجه المظلم لا يحجب وجهاً أكثر إشراقاً، فمع الحواسيب الكوانتمية سيكون بالإمكان محاكاة التفاعلات الكيميائية على مستوى الذرات، ما قد يُحدث ثورة في صناعة الأدوية، ويُمكّن العلماء من تطوير علاجات لأمراض مستعصية خلال وقت قياسي. كما أن الذكاء الاصطناعي سيتحول إلى ذكاء خارق، يتعلّم ويُحلل ويبتكر بسرعة غير مسبوقة، وستتحسن قدرات التنبؤ المناخي، ونمذجة الأنظمة الاقتصادية، وتحليل البيانات الضخمة، وتخطيط المدن الذكية، وكل ذلك بفضل جهاز قد لا يكون أكبر من صندوق حذاء لكنه يحتاج إلى بيئة مُفرغة وشبه متجمدة ليعمل، لأن الكيوبتات حساسة جداً للضوضاء الحرارية. ما زالت حواسيب الكوانتم في بداياتها، فهي باهظة الثمن، معقدة جداً، ولا يمكن تشغيلها إلا في مختبرات متخصصة، لكن التاريخ يُخبرنا أن كل اختراع عظيم بدأ على هذا النحو. من كان يظن أن الحاسوب الذي ملأ غرفة بأكملها في الخمسينات، سيصبح في جيب كل إنسان بعد عقود؟ اليوم تتصدر شركات مثل Google وIBM وMicrosoft وIntel هذا السباق، وتُطلق منصات حوسبة كوانتمية سحابية تجريبية، تسمح للباحثين والمبرمجين بلمس هذا العالم الجديد بأيديهم، والتدرّب على لغته الغريبة، وقوانينه الخارجة عن المألوف. لا يمكننا أن نتنبأ بدقة بما ستجلبه لنا الحواسيب الكوانتمية، ولكن ما نعرفه على وجه اليقين، هو أنها ستغيّر شكل الحياة والعلم والتكنولوجيا كما نعرفها، وستفتح أمام البشرية أبواباً جديدة للفهم والاكتشاف والإبداع، ربما تكون هي البوابة إلى حضارة ما بعد الرقمية...

اللهم صل على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ..

 


مشاهدات 88
الكاتب نوري جاسم
أضيف 2025/09/27 - 10:25 AM
آخر تحديث 2025/09/27 - 12:33 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 373 الشهر 19610 الكلي 12037483
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير